عمرك تخيّلت تستخدم طاولة الكوي بهذه الطريقة؟ ما حدث لم يكن طبيعيًا!

في تفاصيل حياتنا اليومية، هناك أشياء نمرّ بها مرور الكرام: أدوات منزلية، أثاث بسيط، أشياء نستخدمها لسنوات بنفس الطريقة، حتى نكاد نعتقد أنها خُلقت فقط لغرض واحد لا غير. لا نتوقف لحظة لنتأمل في ما إذا كانت هذه الأدوات قادرة على لعب أدوار أخرى، أو أن تتحوّل فجأة — وتحت ظرف معين — إلى بطل غير متوقّع في مشهد غير مخطّط له.
هذا النمط من التفكير، حيث يُعاد توظيف الأشياء خارج وظيفتها الأصلية، يُعرف في علم النفس الإدراكي بمصطلح “المرونة المعرفية” (Cognitive Flexibility)، وهي قدرة الإنسان على تعديل طريقة تعامله مع المألوف، ورؤية الاحتمالات الكامنة فيما يبدو عاديًا أو محدود الاستخدام. وتُعد هذه المهارة جزءًا من الإبداع العملي الذي يظهر غالبًا في الأزمات أو اللحظات غير المتوقعة.
في سياقات مشابهة، تحدّثت دراسات في مجال “علم النفس البيئي المنزلي” عن كيفيّة تأثير الضغوط اليومية داخل المنزل على سلوك الأفراد واستجاباتهم، خصوصًا في المواقف المفاجئة، حيث يلجأ الإنسان إلى الحلول غير التقليدية باستخدام ما هو متاح أمامه فورًا.
لكن، ما الذي يمكن أن يدفع شخصًا ما إلى استخدام طاولة الكي — وهي أداة مصممة فقط لبسط الثياب وتنعيمها — بطريقة مختلفة تمامًا؟ وما الذي يجعل الأمر يتحوّل من مجرّد ارتجال منزلي بسيط، إلى قصة تُروى وتُفاجئ كل من يسمعها؟
القصة كاملة
كل شيء بدأ في تلك الليلة الشتوية الهادئة، حين انقطع التيار الكهربائي فجأة عن الحيّ بأكمله. لم يكن الأمر غريبًا، لكنّ المفاجأة أن التيار لم يعد لساعات طويلة. ومع استمرار انقطاع الكهرباء، بدأ الجو يبرد شيئًا فشيئًا، حتى صار البرد لا يُطاق. لم يكن هنالك مدفأة تعمل بالغاز، والبطانيات وحدها لم تكن كافية، خصوصًا مع وجود طفل صغير في المنزل، كان قد بدأ يُظهر علامات البرد والرجفان.
هنا، بدأت العقول تدور في كل الاتجاهات. ماذا يمكن أن نفعل؟ أين الدفء؟ كيف نخلقه من لا شيء؟
وبينما كانت الأم تفتح الخزانة لتبحث عن أي وسيلة عزل إضافية، وقعت عيناها على طاولة الكي. مجرد نظرة عابرة… لكنها لم تكن كذلك.
بدلاً من أن تراها كأداة منزلية للكوي، رأتها فجأة كشيء آخر. شكلها الطولي، سطحها المبطن، قابليتها للطي… لحظة، ماذا لو…؟
في أقل من خمس دقائق، تحوّلت طاولة الكي إلى سرير مؤقت لطفلها. أُضيفت البطانيات فوق سطحها، ووضعت وسادة عند الرأس، وتم تثبيت الأرجل جيدًا حتى لا تنطوي فجأة. وهكذا، صارت قطعة أثاث مهملة في الزاوية إلى منصة آمنة ودافئة، بعيدة عن الأرض الباردة، يمكن لفّ الطفل بداخلها مثل الشرنقة.
لكن القصة لا تنتهي هنا.
بسبب ارتفاع الطاولة وقربها من الشمعة التي وُضعت على الطاولة المجاورة، تبيّن لاحقًا أن حرارة الشمعة — رغم بساطتها — كانت كافية لتدفئة الغطاء العلوي للطاولة بطريقة جعلت الطفل يشعر بدفء غير مباشر ساعده على النوم. كانت المفاجأة أن حرارة الغطاء لم ترتفع بما فيه الكفاية لتحرق أو تؤذي، بل خلقت ما يشبه نقطة تدفئة موضعية (Localized Heat Point) — وهو تعبير يستخدم في العلاج الطبيعي للإشارة إلى مناطق دافئة تستهدف تخفيف التوتر الجسدي.
لم يكن الهدف أن تصبح طاولة الكي سريرًا دائمًا، ولا وسيلة تدفئة معتمدة. لكن تلك اللحظة، وتلك الظروف، أظهرت كيف يمكن للعقل البشري أن يعيد توظيف أبسط الأشياء لتحقق نتائج مدهشة، إن توفّر قليل من الإبداع وكثير من التحدي.
والآن…
عمرك تخيّلت تستخدم طاولة الكوي بهالطريقة؟
ربما لم يكن ما حدث “طبيعيًا”، لكنه كان تمامًا ما نحتاجه في تلك اللحظة.
تعليقات