قصة سورة الناس وآل عمران: رسائل تهذّب النفس وتُرسّخ الإيمان

قصة سورة الناس وآل عمران: رسائل تهذّب النفس وتُرسّخ الإيمان
قصة سورة الناس وآل عمران

سور القرآن الكريم ليست مجرد نصوص تتلى، بل هي أبواب من الفهم، والرحمة، والهداية، تحمل بين آياتها قصصًا، ومقاصد، وظلالًا عميقة من المعاني. ومن بين هذه السور، تبرز “سورة الناس” و”سورة آل عمران” بمكانتهما الخاصة، ليس فقط من حيث المضمون، بل أيضًا من حيث الخلفية التي نزلت فيها كلٌ منهما، وما حملته من رسائل تتجاوز الزمان والمكان.

سورة الناس، وهي آخر سور المصحف، جاءت كخاتمة لحماية الإنسان من أخطر أعدائه: الوسوسة الخفية. نزلت على النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مكة، وكانت تكمّل سورة الفلق، حيث جمعتا معًا في ما يُعرف بـ”المعوّذتين”. بينما سورة الفلق تحصن الإنسان من الشرور الخارجية، جاءت سورة الناس لتحصنه من الشرور الباطنية، من الوساوس التي لا يراها ولا يسمعها أحد.

ما يميز سورة الناس هو تكرار كلمة “الناس” في كل آية، مما يعمّق الشعور بالشمول، وأن الرسالة موجهة لكل البشر، بلا استثناء. كما أن السورة تبدأ بنداء الاستعاذة برب الناس، ثم ملك الناس، ثم إله الناس، وهو تصاعد في المقام يعكس استنجادًا متدرجًا بالسلطة العليا الحاكمة لكل ما في النفس والكون.

هذه السورة القصيرة كانت تقرأها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على النبي عندما كان يشتكي من الألم، وتمسح بها جسده، في دلالة على مكانتها كأداة من أدوات الشفاء والتحصين. وقد وصّى النبي بقراءتها مع الفلق كل ليلة، لما فيهما من حماية روحية للعبد.

لكن إن كانت سورة الناس قد خُتم بها القرآن، فإن سورة آل عمران جاءت في بداياته، تحمل سردًا تاريخيًا عظيمًا، وأبعادًا عقائدية عميقة ستُتناول في الصفحة التالية.