سبب نزول سورة الناس

سبب نزول سورة الناس
سبب نزول سورة الناس

تُعد سورة الناس من السور التي تحمل في طياتها دعاءً عظيمًا للحماية من الشر الخفي، وتأتي كخاتمة بليغة للمصحف الشريف. هذه السورة، رغم قصرها، تفتح أمامنا أفقًا لفهم نوع من الأذى لا يُواجه بالسلاح، بل بالاستعاذة والإيمان واليقين بالله وحده.

افتُتحت السورة بالأمر الإلهي: “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ”، وجاءت ثلاث صفات متتالية لله سبحانه: رب الناس، ملك الناس، إله الناس. هذا التدرج ليس عبثًا، بل تذكير بأن من نلجأ إليه هو مصدر الخلق، والحكم، والعبادة. فهو الحصن الذي لا يُخترق لمن صدق اللجوء إليه.

ثم تُسلّط السورة الضوء على الخطر الأكبر: الوسوسة. ذلك الصوت الخفي الذي لا يُسمع بالأذن، لكنه يزرع القلق والاضطراب في الصدر. سماه الله “الوسواس الخناس”، أي الذي يخنس ويختبئ، ثم يظهر في لحظات الغفلة، يوسوس في القلوب، ويغرس الشكوك.

وما يميز هذا العدو أنه مزدوج المصدر، كما ورد في الآية الأخيرة: “من الجنة والناس”. أي أن الوساوس لا تأتي فقط من الشياطين، بل حتى من البشر، ممن يزرعون الخوف أو الضيق بكلمة، أو نظرة، أو تحريض خفي، مما يجعل الاستعاذة بالله ضرورة لحماية النفس.

إن السورة بمجملها تُعلمنا أن أخطر المعارك لا تكون دائمًا معلنة، بل قد تكون داخل النفس، وأن العلاج الحقيقي لها ليس ماديًا، بل إيماني، يقوم على التوكل والاستعاذة واليقين بأن الله هو الحافظ.

وقد نزلت هذه السورة عندما سُحر النبي محمد ﷺ من قبل لبيد بن الأعصم، فأمره الله بقراءتها مع سورة الفلق، فكانت سببًا في شفائه وانفكاك أثر السحر عنه شيئًا فشيئًا.