قصة الطفلة شهد: محطمة بالقيود داخل منزل مهجور في الدقهلية

قصة الطفلة شهد: محطمة بالقيود داخل منزل مهجور في الدقهلية
قصة الطفلة شهد

التقارير النفسية التي أُعدّت عن الطفلة شهد رسمت صورة موجعة أكثر مما تصوّره الإعلام. فشخصيتها بحسب الأطباء “غير مستقرة”، وتعاني من أعراض ما يُعرف بـ”اضطراب ما بعد الصدمة المزمنة”. تخاف من الأبواب المغلقة، تتوقف عن الكلام فجأة عند ذكر اسم أبيها، وتشعر بالذنب عند الضحك أو اللعب. تقول إحدى الطبيبات: “شهد لا تعرف ما يعنيه الشعور بالأمان، تحتاج أن تتعلم من الصفر كيف تثق بالبشر”. الطفلة تحتاج إلى سنوات من العلاج النفسي والسلوكي، وربما تدخل في برامج إعادة تأهيل عاطفي ومعرفي عميقة.

من جهة الغذاء، أظهرت تحاليل الدم نقصًا حادًا في الحديد والفيتامينات الأساسية، نتيجة الإهمال الطويل. طبيبتها المعالجة أكدت أن جسمها يعاني من آثار حبس طويل، كالتي تُلاحظ على أسرى الحروب أو المحتجزين لسنوات. تم تخصيص نظام غذائي دقيق يعوّض هذا النقص تدريجيًا، إلى جانب دعم نفسي مكثف لتحسين علاقتها بالطعام. شهد لا تزال تخشى “العقاب على الأكل” – وهو ما كشف حجم التشويه الذي طال مفاهيمها اليومية. واحدة من جلساتها العلاجية كانت فقط لفهم الفرق بين “البيت” و”السجن”… مفهوم لم يكن واضحًا لديها.

اليوم، تعيش شهد في دار رعاية مؤقتة بإشراف وزارة التضامن الاجتماعي، وسط متابعة دقيقة ومستمرة. لا زيارات غير مشروطة، لا تصوير، لا تدخل من الإعلام. القائمون على حالتها يحاولون أن يعيدوا لها الإحساس بالزمن والروتين الطبيعي: نوم في وقت محدد، طعام منتظم، تعليم غير رسمي كبداية. في إحدى الجلسات، قالت الفتاة إنها تحلم أن تمشي في شارع مليء بالناس دون أن تختبئ. يبدو حلمًا بسيطًا لأي طفل… لكنه بالنسبة لها هدف يتطلب أشهر من الشفاء الداخلي.

مستقبل شهد لا يزال مجهولًا، لكن المؤكد أنها لن تكون وحدها بعد الآن. صوتها الذي خرج من غرفة باردة في بيت مهجور وصل إلى آلاف الناس، وجعل من قضيتها جرس إنذار لا يمكن تجاهله. منظمات عربية ودولية بدأت تتواصل مع الجهات الرسمية في مصر لعرض المساعدة، سواء بالعلاج أو بالرعاية الطويلة المدى. البعض يطالب بأن يُطلق اسم “شهد” على مبادرة وطنية لحماية الأطفال من العنف الأسري. قد لا تغيّر هذه الخطوات الماضي، لكنها قد تفتح بابًا جديدًا لطفلة بدأت حياتها من تحت الصفر.

وهكذا، تبدأ حياة شهد من جديد بكل هدوء وصبر، خطوة بخطوة، صوتًا يعلو فوق الصمت، وضوءًا يتسلل بعد طول ظلام دامس. تتحرك بخطوات ثابتة نحو أيام تحمل معها أملًا جديدًا وفرصًا متجددة. نتابع معها كل لحظة، وكل نبضة، في رحلة الشفاء التي لا تزال تتفتح ببطء وثبات.