من بين الأسئلة التي تُطرح كثيرًا عند دراسة سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتفاصيل حياته الخاصة، يبرز سؤال يحمل بعدًا دينيًا وتاريخيًا حساسًا وهو: لماذا لم تتزوج زوجاته بعد وفاته؟ فرغم أن تعدد الزوجات كان جائزًا في الإسلام، ورغم أنه كان شائعًا في المجتمع العربي آنذاك، إلا أن زوجات الرسول ظللن على حالهن بعد وفاته دون أن يقترب أحد منهن بالزواج، مع أن بينهن من كانت لا تزال في ريعان شبابها. فهل كان هذا قرارًا شخصيًا منهن؟ أم أن في الأمر تشريعًا إلهيًا خاصًا بهن؟
لفهم هذا الموقف لا بد من العودة إلى نصوص القرآن الكريم أولًا، ثم استعراض المواقف التي حدثت بعد وفاة النبي مع زوجاته، وكيف تعاملن مع الموقف بكل إيمان وصبر، مع أن كثيرًا منهن تحملن تبعات اجتماعية ونفسية كبيرة بعد أن فقدن الزوج والرسول في آنٍ واحد. فقد كن يعشن في بيت النبوة لا كزوجات فقط، بل كمربيات ومبلغات ومعلمات لما تعلموه من دين الله، وكان مقامهن في المجتمع الإسلامي مختلفًا عن مقام أي امرأة أخرى في الأمة.
كما أن خصوصية الزواج من النبي محمد لم تكن مجرد علاقة بشرية عادية، بل كانت رابطة ذات طابع تشريعي، لها قداسة خاصة نص عليها القرآن، وهذا ما جعل حياتهن بعد وفاته تحمل طابعًا تعبديًا، فيه تكليف ومسؤولية أكبر من أي امرأة أخرى، فهن لم يكنّ زوجات نبي فحسب، بل أمهات المؤمنين كما وصفهن الله عز وجل في كتابه الكريم، وهذه الصفة لم تكن مجازية بل حقيقية في المعنى الشرعي.
ورغم تغير الظروف بعد وفاة النبي، وتبدل الأحوال السياسية والاقتصادية، إلا أن أمهات المؤمنين بقين في مكانتهن، محافظات على عهد النبوة، ملتزمات بالوقار والعبادة ونشر ما تعلموه من رسول الله. وكل من يتأمل في سيرتهن بعد وفاته سيجد أنهن حملن على عاتقهن أمانة العلم والدين، وأصبحن مصادر موثوقة في نقل أحاديث النبي وتعاليمه، وبذلك ظلّت مكانتهن محفوظة في قلوب المسلمين ووعيهم، وازدادت مع الأيام قدسية لا تزول.
تابع في الصفحة الثانية لتتعرف على الحكم الشرعي الصريح في القرآن، وما الذي جعل زواجهن بعد النبي محرمًا ومختلفًا عن جميع النساء…
تعليقات