كانت كريمة ياقوت الطفلة التي تُبهج البيت كله بابتسامتها الهادئة وصوتها وهي تردد آيات من القرآن. رغم صغر سنها، كان لديها حضور مختلف. كل من زار منزلهم تحدّث عن نور في وجهها وصوت خاشع حين تقرأ. كانت تذهب للمدرسة في الصباح وتعود حاملة دفاترها الصغيرة، تساعد أمها في ترتيب البيت وتجلس بجوار والدها لتراجعه ما حفظته من القرآن. لم تكن تشبه بنات جيلها في أي شيء، فبينما كنّ منشغلات بالهواتف والرسوم المتحركة، كانت هي تسأل عن قصص الأنبياء وتبحث عن معاني الآيات.
في ظهيرة أحد الأيام، وبينما كانت الشمس في ذروتها، قررت الأم أن تخرج برفقة بناتها الكبيرات لشراء بعض الحاجيات. تركت كريمة وحدها في المنزل لبضع دقائق فقط، كانت هادئة جدًا ومعتادة على الجلوس وحدها دون أن تثير أي قلق. قالت لها الأم قبل أن تغلق الباب: “قريبًا سأعود، رتّبي كتبك وراجعي سورة الرحمن.” وأغلقت الباب. لم تكن تعلم أن تلك ستكون آخر مرة تسمع فيها صوت ابنتها الحبيبة داخل البيت.
مرت نصف ساعة، ثم ساعة، ثم عادت الأم للمنزل ومعها بناتها، فتحن الباب ولم يكن هناك أي صوت. نادين على كريمة، لكنها لم ترد. اعتقدن في البداية أنها نائمة، ولكن حين دخلن غرفتها لم يجدنها. شعرت الأم بارتباك غريب، فكل شيء في البيت في مكانه، لا آثار لعبث أو سرقة، ولكن كريمة ليست هناك. بدأت الدقائق تمر كالسكاكين على قلب الأم، وكلما مرت ثانية دون أن تعثر على ابنتها، زاد الخوف حتى تحوّل إلى ذعر.
تعليقات