قصة كريمة ياقوت الطفلة

بدأت كريمة تستعيد وعيها تدريجيًا، لكن الأطباء أكدوا أن ما تعرّضت له ترك في نفسها أثرًا عميقًا. كانت تكره النوم، وتخشى الأماكن المغلقة، وترفض الخروج من البيت. كلما رأت رجلاً غريبًا تمسك بثياب والدها وتبكي بلا توقف. حاولت الأسرة احتواءها بكل حب، لكنها لم تعد كالسابق. الهدوء تحوّل إلى قلق، والضحكة إلى شرود، والصوت الذي كان يصدح بالقرآن لم يعد يُسمع. بقي والدها يحاول إعادتها إلى حفظها القديم، لكنه كان يشعر أن كل آية تتلوها تنزف من قلبها قبل لسانها.
مرت أشهر، والتحقيقات ما تزال مستمرة، لكن دون نتيجة واضحة. لم يُقبض على أحد، ولم تظهر معلومات جديدة، وكأن الوحش الذي خطفها اختفى تمامًا كما ظهر. لكن المدينة كلها كانت تتحدث عن الطفلة البريئة التي نجت من مصير مظلم بأعجوبة، وعن الإمام الذي لم يكفّ عن الدعاء والبحث رغم كل ما مرّ به. لم يكن سهلاً على الأسرة أن تتجاوز هذه المحنة، لكنها تمسّكت بالأمل، وعادت شيئًا فشيئًا إلى حياتها اليومية، تحاول ترميم ما تهدّم داخليًا، خاصة في قلب كريمة.
ذات يوم، جلس الأب قربها وسألها إن كانت تريد الذهاب للمسجد معه. نظرت إليه بصمت طويل، ثم أومأت برأسها. تلك كانت المرة الأولى التي تغادر فيها المنزل منذ الحادثة. دخلت معه المسجد، وجلست في الصف الخلفي، تسمع صوته وهو يقرأ القرآن. عادت عيناها تلمعان قليلاً، وارتسم على وجهها أثر ضوء. كان هذا اليوم بداية جديدة، ليس فقط لها، بل للعائلة كلها.
تعليقات