من هو غريغوري راسبوتين

من هو غريغوري راسبوتين

راسبوتين كان أشبه بشيفرة معقدة، لا يمكن قراءتها من الخارج فقط. جزء كبير من تأثيره جاء من قدرته العجيبة على التلاعب بالمشاعر، وعلى بثّ نوع من الطمأنينة الغريبة في قلب من يستمع إليه. كان يتحدث بهدوء لا يخلو من الغموض، ينصت بعمق، ثم يرد بجمل قصيرة تبدو في ظاهرها بسيطة، لكنها تحمل وقعًا نفسيًا كبيرًا على من يسمعها. النساء، بطبيعتهن العاطفية، وجدن فيه مستمعًا مختلفًا، لا يقاطع ولا يحكم، بل يُشعرك وكأنك وحدك في العالم لحظة حديثك معه.

هناك أيضًا البعد الروحي الذي استثمره بذكاء، فقد ادعى امتلاكه لكرامات وقدرات شفائية، خاصة عندما نجح في تهدئة نوبات النزيف لدى ولي العهد الروسي المصاب بمرض نادر، وهو ما جعله يحظى بثقة الإمبراطورة ألكسندرا، ويتحول في نظرها من مجرد راهب مجهول إلى مرشد ومصدر أمان. ومنذ تلك اللحظة، بدأت نظرة النساء له تتغير، لم يعد مجرد رجل دين غريب الأطوار، بل صار رمزًا للقوة الروحية التي تتجاوز الجسد والمظهر.

رغم الاتهامات التي لاحقته لاحقًا بالسحر أو الفساد الأخلاقي، فإن روايات النساء اللواتي عرفنه عن قرب كانت مختلفة، تحدثن عن نظراته، طريقته في لمس اليد، صمته الطويل قبل الإجابة، وحتى حضوره الفيزيائي الذي لا يمكن تجاهله، كما لو أن هالة خفية كانت تحيط به وتمنحه سلطة خفية على من حوله. وربما هذا ما جعل البعض يصفه بأنه “ساحر من نوع آخر”، لا يستخدم أدوات، بل يزرع تأثيره بصمت.

بعض المؤرخين المعاصرين يرون أن راسبوتين كان حالة نادرة من الذكاء العاطفي المتطرف، يعرف كيف يدخل من الأبواب النفسية المغلقة، ويستعمل ضعف الآخرين لا ليسيطر عليهم، بل ليجعلهم يتبعونه برغبة خفية. أما النساء، فكنّ الأكثر تأثرًا لأنه أجاد مخاطبة تلك الزوايا الحساسة التي لا يراها كثير من الرجال.

انجذبت النساء إلى راسبوتين لأنه امتلك حضورًا غامضًا ونظرة تخترق الأعماق، وعرف كيف يجعل كل امرأة تشعر بأنها الوحيدة التي يفهمها بعمق لم تعهده من قبل