قصة حقيقية يحكيها مغسل الأموات

قصة حقيقية يحكيها مغسل الأموات

بعد الانتهاء من الغُسل، جلست قليلًا خارج المغسلة، لأستريح وأجمع أغراضي، وجاءني ذلك الشاب مرة أخرى، جلس إلى جانبي بصمت، ثم همس: “أنا السبب في موته”. التفت إليه بدهشة، وسألته: “كيف يعني؟”. فقال: “كنا خارجين سوا، ودعاني أركب معاه، لكن أصرّيت أركب مع شخص تاني، وبعد لحظات من خروجنا، اتصلوا فينا وقالوا إنه عمل حادث ومات على الفور”.

حاولت أواسيه وقلتله: “ده قضاء ربنا، مالكش ذنب”. لكن دموعه كانت غير، دموع شخص مش قادر يسامح نفسه، وكان واضح عليه أنه شايل حمل ثقيل، وكأنه ما ودع صاحبه، بل دفن جزء من روحه معاه. جلس يحكي عنهم سوا، كيف عاشوا تفاصيل الطفولة، كيف كانوا بيتقابلوا كل يوم بدون ملل، وكيف إن الراحل كان بيحلم يكمل دراسته ويتزوج قريبًا.

قال لي: “أنا ما كنت أتصور إنه حيغيب قبلي، كان دايمًا يقوللي الموت هيجينا فجأة، وأنا أضحك وأقوله: يا راجل بلاش السيرة دي”. سكت لحظة ومسح دموعه وقال: “أنا شاركتك الغُسل علشان أرجعله آخر معروف، لأنه طول عمره كان بيسترني ويوقف جنبي، حتى وأنا كنت بخذله أحيانًا”.

المغسل يقول إن اللحظة اللي شاف فيها الصديق يبكي بحرقة، ويقبّل جبين صاحبه بعد التكفين، كانت من أصدق اللحظات اللي مرت عليه في حياته، مشهد علمه قد إيه الحب بين الصحاب ممكن يكون أنقى من الدم، وإن بعض الفقدان يُشبه فقدان الروح نفسها.

الصدمة أن الشاب الذي شارك الغسل كان يحمل ندمًا لأنه رفض ركوب السيارة مع صديقه يوم الحادث، وظل يعتبر نفسه سببًا غير مباشر في موته وظل يبكيه بحرقة حتى بعد دفنه.