يشهد البحر الأبيض المتوسط خلال السنوات الأخيرة ارتفاعًا غير مسبوق في درجات حرارة مياهه، في ظاهرة وصفها العلماء بأنها مؤشر مباشر على تفاقم أزمة التغير المناخي. هذا الحوض البحري المغلق نسبيًا، الذي يحتضن سواحل ثلاث قارات ويغذي اقتصاد عشرات الدول، أصبح أكثر عرضة للاختلالات البيئية مقارنة بالمحيطات المفتوحة. ويعود السبب في ذلك إلى ضيق المساحة النسبي، وقلة التيارات الباردة الداخلة إليه، والتأثيرات البشرية الكثيفة حوله من تلوث، وصيد مفرط، وتحولات عمرانية متسارعة على امتداد السواحل. ارتفاع حرارة المياه في هذا الحوض لا يمثل مجرد ظاهرة موسمية، بل يحمل تداعيات كارثية محتملة على النظم البيئية البحرية، وعلى قطاعات اقتصادية تعتمد على البحر بشكل مباشر
تشير البيانات البيئية الحديثة إلى أن حرارة مياه البحر المتوسط ارتفعت بما يقارب 0.4 إلى 0.6 درجة مئوية خلال العقود الثلاثة الماضية، لكن تسارع هذا الارتفاع مؤخرًا بات يهدد الكائنات البحرية الحساسة التي اعتادت على نطاق حراري ضيق. الشعاب المرجانية، على سبيل المثال، أصبحت معرضة للاضمحلال أو ما يُعرف بظاهرة التبييض، حيث يؤدي ارتفاع درجة الحرارة إلى طرد الطحالب التي تعيش في أنسجتها، مما يفقدها لونها ويعرضها للموت. كما أن أنواعًا كاملة من الأسماك مثل البوري والسلطان إبراهيم تواجه خطر التراجع العددي بسبب تغير موائلها أو منافسة كائنات دخيلة بدأت تزدهر في هذه الظروف الجديدة. بعض هذه الأنواع الغازية، مثل السمكة الأرنب أو سمك الأسد، جاءت عبر قناة السويس واستقرت في بيئة البحر المتوسط نتيجة ارتفاع حرارته، مما يهدد التوازن البيئي بشكل مباشر
ولم تقتصر التأثيرات على الجانب البيئي فحسب، بل امتدت إلى الصيد البحري والسياحة. فالصيادون في عدة دول متوسطية يشتكون من تراجع حصيلة الصيد اليومي وظهور أنواع غير معتادة، يصعب تسويقها أو لا تصلح للاستهلاك. كما أن مواسم الصيد بدأت تتغير توقيتًا ونوعًا، ما يؤثر على الرزق اليومي لآلاف العائلات. في المقابل، يواجه قطاع السياحة البحرية تهديدات واضحة، منها تزايد قناديل البحر في السواحل الدافئة وظهور كائنات لاذعة أو سامة في مناطق السباحة، مما يدفع كثيرًا من السياح إلى التردد أو العزوف عن الشواطئ التي كانت آمنة سابقًا
وتتمة المقال في الصفحة الثانية تابع القراءة لتعرف جميع التفاصيل:
تعليقات