الأمراض النفسية سببها العائلة

رغم التقدم العلمي والوعي المتزايد بالصحة النفسية، لا يزال كثير من الناس يتعاملون مع الأمراض النفسية كأمر طارئ أو متعلق بضعف الإرادة، لكن الحقيقة الصادمة التي تؤكدها دراسات حديثة هي أن ما يقارب 99% من الاضطرابات النفسية تبدأ جذورها من داخل العائلة. البيت الذي يُفترض أن يكون مصدر الأمان والدعم قد يتحول إلى ساحة ضغط وعنف وصراع، وبه تبدأ معاناة الطفل وتتشكل أعقد المشكلات في شخصيته قبل أن يغادر مقاعد الطفولة.
فالطفل لا يولد مكتئبًا أو قلقًا أو فاقدًا لثقته بنفسه، بل يتأثر تدريجيًا بطريقة تعامل الأهل معه. الإهمال العاطفي، الانتقادات المستمرة، المقارنات الجارحة، التسلط، والحرمان من الحنان، كلها عوامل تزرع بذور القلق والاكتئاب والاضطراب في نفس الطفل، ليفقد إحساسه بالقيمة ويتحول إلى شخص خائف دائمًا من الرفض أو الفشل. وقد ينمو الطفل داخل بيئة تُجرّده من حقه في التعبير، فيكبت كل مشاعره، ويكتم ألمه حتى ينهار لاحقًا في صورة نوبات قلق أو نوبات هلع أو حتى محاولات انتحار.
كما أن الخلافات الزوجية التي تحدث أمام الأطفال تخلق بيئة مسمومة، تُحطم إحساسهم بالأمان وتعلمهم أن العالم غير مستقر. بعض الأطفال يكبرون وهم يشعرون بأن عليهم دائمًا إرضاء الآخرين خوفًا من الهجر أو العقاب، وهذا السلوك يتطور في الكبر ليصبح اضطرابًا في الشخصية، أو حالة من الانفصال عن الذات. بل إن البعض قد يتظاهرون بالقوة أمام الناس بينما هم في الداخل محطمون، فقط لأنهم نشأوا في منزل لا يسمح لهم بالضعف.
ولكن، هل يمكن أن نُشفى من هذه الجراح؟ وهل العلاج يبدأ من الخارج أم من داخلنا؟ هذا ما سنتابعه في الصفحة الثانية…
تعليقات