معنى فشاربون شرب الهيم في سورة الواقعة

في ختام تصوير عذاب أهل الشمال في سورة الواقعة، تأتي الآية الكريمة: “ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ، لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ، فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ، فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ، فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ”، وهي آيات تحمل مشهدًا بالغ الرهبة لعذاب الكافرين في الآخرة، حيث يبدأ العذاب بطعام مرّ مؤذٍ، يُتبع بشراب يغلي في البطون، ثم يُختتم بتشبيه بالغ في القسوة والعمق البلاغي. لكن ما هو “شُرْبُ الْهِيمِ”؟ وما دلالاته اللغوية والبيانية؟ ولماذا اختُتمت به هذه الآيات؟
كلمة “الْهِيمِ” في اللغة العربية تشير إلى الجِمال المصابة بداء “الهيام”، وهو مرض يجعلها تظل عطشى بصورة دائمة، فتشرب الماء بنهم شديد ولا تروى مهما شربت، وتظل تلتهم الماء بلا وعي حتى تموت. وهذا المرض يُعد من أشد ما يصيب الإبل، ويُضرب به المثل في العطش الدائم الذي لا يُسكَن. حين يُقال في القرآن: “فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ”، فالمعنى أن هؤلاء الضالين سيشربون في النار شربًا شديدًا مُلحًا، كحال الجِمال المصابة بالهيام، ومع ذلك لن يرتووا، بل سيزيدهم العذاب عطشًا وألمًا.
أما من الناحية البلاغية، فإن التعبير يحمل تناسقًا مرعبًا بين الطعام والشراب، فبعد أكلهم من الزقوم، وهو شجر خبيث الطعم والرائحة، يُتبع ذلك بشرب ماء يغلي من شدة الحرارة، ثم يتبعه شرب لا يهدأ ولا يتوقف. وتكرار لفظ “فَشَارِبُونَ” مرتين يوحي بالتدرج في الشرب: أولًا شرب الحميم، ثم شرب شديد النهم، لا عن رغبة بل عن اضطرار وألم، كمن يحاول تخفيف العذاب فيزيده عذابًا.
وفي الصفحة الثانية نُكمِل تحليل هذا المشهد القرآني القوي، ونفهم لماذا اختار القرآن الجِمال “الهِيم” كمثال، وما الرسالة العقائدية العميقة التي تُوجّه بها هذه الآيات للناس
تعليقات