نتشر بين بعض العائلات في المجتمعات العربية عادة حرق ملابس المتوفي قبل مرور أربعين يوما على وفاته، وتعد هذه الممارسة من الموروثات الشعبية التي تختلف أسبابها بين المعتقدات الدينية والاجتماعية وحتى الصحية، رغم أن الدين الإسلامي لم يفرضها كواجب، بل ترك الأمر للاجتهاد الشخصي مع الالتزام بالضوابط الشرعية في التصرف في متاع الميت. ويعود أصل هذه الفكرة إلى الاعتقاد بأن روح الميت تبقى قريبة من ممتلكاته خلال فترة الأربعين يوما الأولى، وأن الاحتفاظ بملابسه قد يجذب الحزن ويجدد الألم لأهل البيت، بينما يرون أن حرقها أو التخلص منها يقطع الرابط النفسي بين الحاضرين وذكرى الفقيد، مما يساعدهم على تجاوز الصدمة. وهناك أيضا روايات قديمة كانت تحذر من استخدام ملابس الميت من قبل الأحياء، بزعم أنها قد تحمل ما يسمونه “طاقة الموت” التي قد تؤثر سلبا على الصحة أو الحظ، وهي أفكار لا أساس علمي لها لكنها ترسخت بفعل تداولها جيلا بعد جيل
من جهة أخرى، هناك من يبرر حرق الملابس بأسباب صحية، خاصة في حالات الوفاة الناتجة عن أمراض معدية، حيث يمكن أن تحتوي الأقمشة على بقايا جراثيم أو فيروسات قد تنتقل لمن يستخدمها لاحقا، ولهذا فإن التخلص منها بالحرق كان يعتبر وسيلة فعالة للتطهير قبل تطور أساليب التعقيم الحديثة. ومع ذلك، فإن الجهات الصحية اليوم تؤكد أن الغسل الجيد بالماء الساخن والمنظفات كاف لتعقيم الملابس، وأن الحرق لم يعد ضرورة إلا في حالات نادرة. كما أن بعض العائلات تستبدل فكرة الحرق بالتبرع بملابس الميت للفقراء والمحتاجين، باعتبارها صدقة جارية تعود ثوابها للمتوفي، وهو ما يراه كثيرون الخيار الأفضل دينيا وإنسانيا. وبذلك يتبين أن هذه العادة ليست إلزاما دينيا بل تقليد اجتماعي، ومن المهم أن يفرق الناس بين ما هو تراثي وما هو ثابت شرعا أو مثبت علميا، حتى لا تختلط المعتقدات بالحقائق.
أما الحقيقة فهي أن حرق ملابس المتوفي قبل الأربعين ليس واجبا دينيا، بل هو مجرد عادة اجتماعية أو احتراز صحي في بعض الحالات فقط
تعليقات