لماذا تأخر دفن النبي ثلاث أيام

لماذا تأخر دفن النبي ثلاث أيام

الحقيقة التي يوضحها المؤرخون أن سبب تأخر دفن النبي ﷺ ثلاثة أيام لم يكن إهمالًا أو خلافًا عدائيًا بين الصحابة، بل كان نتيجة اجتماع عدة عوامل حساسة. أول هذه العوامل هو الانشغال بمسألة الخلافة، فقد اجتمع الأنصار والمهاجرون في سقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة للمسلمين، حتى لا تبقى الأمة بلا قائد في وقت شديد الخطورة. فقد كان هناك خشية من وقوع انقسام لو لم يتم حسم هذا الأمر بسرعة، وهو ما قد يهدد استقرار الدولة الناشئة.

أما السبب الثاني فكان متعلقًا بمكان دفن النبي. فقد اختلف الصحابة بداية حول المكان المناسب، فمنهم من قال يُدفن عند المسجد، ومنهم من قال يُنقل إلى البقيع، حتى أخبرهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه بحديث سمعه من النبي ﷺ: “ما قُبض نبي إلا دُفن حيث قُبض”. وهنا استقر الأمر على أن يُدفن النبي في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها حيث توفي، لتبقى تلك الغرفة الطاهرة مهوى لقلوب المؤمنين عبر الزمان.

والعامل الثالث هو أن تجهيز الجسد الشريف لم يكن أمرًا عاديًا. فقد تولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعه أهل بيت النبي عملية الغُسل والكفن، بحرص شديد ووقار عظيم. وكان من اللازم أن يتم كل ذلك بدقة وبأدب يليق بمقام رسول الله ﷺ. هذه الإجراءات، إلى جانب انشغال الأمة في ترتيب أمورها، جعلت الدفن يتأخر حتى مساء يوم الأربعاء، أي بعد ثلاثة أيام من وفاته.

وهكذا يتضح أن التأخير لم يكن إلا انعكاسًا لعِظم الحدث ولحرص الصحابة على أن يسير كل شيء بما يليق بمقام النبي الأعظم ﷺ. فقد اجتمعوا على إدارة شؤون الأمة أولًا، وحسم مكان الدفن ثانيًا، وأدوا واجب الغسل والتكفين ثالثًا، ثم وُوري الجسد الشريف في موضعه الطاهر. وبذلك ظل الدرس خالدًا: أن حب الصحابة لنبيهم لم يكن في سرعة الدفن فقط، بل في الحرص على أن تتم كل خطوة بوعي ومسؤولية وحكمة تحفظ وحدة الأمة وتكرم سيد البشرية.