قصة سائحة ثرية في العراق

قصة سائحة ثرية في العراق


بدأ عبدالله يقرأ الرسالة مرارًا وتكرارًا وكأنه لا يصدق ما بين يديه. كانت الكلمات بسيطة، لكن وقعها عليه كان أشبه بجرس القدر. شعر أن الدنيا توقفت لوهلة، وأن الصدفة التي قادته إلى هذا المكان ليست مجرد مصادفة. حمل الورقة بيديه المرتعشتين وعاد مسرعًا إلى أصدقائه، وهو يصرخ: “انظروا ماذا وجدت!”. تجمعوا حوله بدهشة، وكل واحد منهم أخذ يقرأ السطور كأنه يقرأ شيئًا أسطوريًا. كان هناك من يضحك ويعتبرها لعبة، ومنهم من شكّك أنها مجرد مزحة قديمة تركها أحد السكان، لكن عبدالله كان يرى شيئًا آخر… كان يشعر أنها رسالة موجهة إليه وحده.

مرت ساعات الليل ثقيلة، وعبدالله لا يستطيع النوم. فبينما انشغل أصدقاؤه بالنوم في الخيمة، ظل هو جالسًا خارجها، يحدق في الرسالة تحت ضوء القمر، وكأنها تناديه لتغيير مجرى حياته. تذكر خيانة حبيبته، وتذكر كيف انهار قلبه قبل دقائق فقط. أحس أن هذه الرسالة جاءت لتعويضه عن كل ذلك الألم. وفي أعماقه، بدأ يتكوّن يقين بأن ما حدث لم يكن إلا ترتيبًا غامضًا من الأقدار.

بعد أيام، وبإصرار غريب، قرر عبدالله أن يجرب الاتصال بالرقم المكتوب. أدار الأرقام بيدين مرتجفتين، لا يعلم إن كان سيمر الخط بعد كل هذه السنوات أم لا. وفي اللحظة التي سمع فيها جرس الهاتف يرن على الطرف الآخر، كاد قلبه يقفز من مكانه. لكنه فوجئ بصوت مسجل يخبره أن الرقم لم يعد مستخدمًا. أصيب بصدمة، وكاد يفقد الأمل. لكن شيء بداخله دفعه إلى عدم الاستسلام. بدأ يبحث ويسأل، محاولًا معرفة مصير صاحبة الرسالة.

وبعد محاولات طويلة، وصل إلى خيط رفيع: اسم كريستينا آدامز لم يكن مجهولًا تمامًا. فقد ظهرت في إحدى الصحف الأجنبية قبل سنوات ككاتبة مقالات عن رحلاتها وأسفارها. ازداد حماس عبدالله، وقرر أن يكتب رسالة إلكترونية إلى عنوان بريد وجد اسمه مصادفة في إحدى المنتديات. كتب فيها: “أنا شاب من العراق… وجدت شيئًا تركتِه قبل سنوات طويلة في الضلوعية… إن كنتِ كريستينا صاحبة الرسالة، فأنا أريد أن أخبرك أن كلماتك لم تذهب سدى”.

انتظر أيامًا طويلة، ولم يأتِه رد. كاد يقتنع أن كل ما حدث مجرد حكاية بلا نهاية، حتى جاءه إشعار ببريد جديد. فتح الرسالة بلهفة، وإذا بكلمات مكتوبة بالإنجليزية: “أنا كريستينا. لا أصدق أنك وجدت الرسالة بعد كل هذا الوقت. هل حقًا دفنتها الأقدار طوال عشر سنوات لتصل إليك أنت بالذات؟”

في تلك اللحظة شعر عبدالله وكأن العالم بأسره توقف من جديد. بين يديه بداية قصة لم يكن يتخيلها يومًا. تبادل الرسائل معها أسابيع متواصلة، يحكي لها عن بلده، وعن الضلوعية، وعن كيف وجد الرسالة، وهي من جهتها كانت تروي له عن حياتها، عن أسفارها، وعن الشغف الذي قادها لكتابة تلك الكلمات قبل عقد كامل من الزمن. شيئًا فشيئًا، بدأ الاثنان يشعران أن بينهما رابطًا أعمق من مجرد صدفة.

مرّت الأشهر، وكريستينا قررت أن تزور العراق من جديد، رغم كل الظروف الصعبة التي كان يعيشها البلد في تلك الفترة. كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، لكنها كانت مصممة أن ترى بنفسها الرجل الذي أخرج رسالتها من تحت التراب. وعندما التقت عبدالله لأول مرة، لم يكن اللقاء عاديًا، بل كان أشبه بمشهد سينمائي، يختلط فيه الذهول بالفرح، والتساؤل بالعاطفة الجارفة.

القصة لم تنتهِ هنا، بل بدأت فصولها الحقيقية من تلك اللحظة. فهل جمع القدر بينهما فعلًا في طريق طويل من الحب والاختلافات الثقافية؟ وهل استطاع عبدالله أن يحوّل هذه المصادفة الغريبة إلى بداية حياة جديدة مع كريستينا، أم أن الظروف كانت أقوى من أحلامهما؟