قصة كان الاب يجهز لزفاف ابنه الوحيد

حين لمح والد العريس تلك الحركة الغريبة عند باب الجار عصرًا، لم يُلقِ لها بالًا، مكتفيًا بأن يُسكن ضيقه وغضبه في صدره. لكنه حين رأى الموكب يخرج مساءً، أدرك حجم سوء الفهم الذي وقع فيه. كان المشهد أكبر من أن يُحتمل: رجال يحملون نعشًا، نساء يتشاحن بالبكاء، وأصوات الفقد تتعالى. فجأة، شعر بثقل كبير يطبق على صدره. لقد كان ينتظر من جاره مشاركة فرحه، فإذا بالجار يُساق إلى مثواه الأخير في يوم العرس.
عندها أدرك والد العريس كم تسرّع في حكمه، وكم كان ضيّق الأفق حين ردّ ابن الجار الصغير بكلمات قاسية، دون أن يسأل عن السبب، أو يمنحهم عذرًا. كان بإمكانه أن يُقدّر الغياب أو يستفسر عن الأمر، لكن غلبة الفرح والاهتمام بالمظاهر جعلته يغفل عن مشاعر الآخرين. وما أشدّ وقع الندم حين يأتي بعد فوات الأوان.
الحيّ بأكمله وقف في ذهول؛ لم يجتمع من قبل على حدثين متناقضين في يوم واحد: زفاف يُزغرد فيه الناس ويهنّئون، وتشييع جنازة يلفّ المكان بالسكون والحزن. صورة نادرة، لكنها مفعمة بالعِبر، تُذكّر بأن الأفراح والأتراح تتجاور في هذه الدنيا، وأن القلب لا يعرف متى يُبدّل الله حاله من السرور إلى الانكسار.
القصة لم تكن عن زفاف أو وفاة فحسب، بل عن درس عميق في التأنّي والحكمة. فالحياة مليئة بالمواقف التي قد تخدعنا للوهلة الأولى، فنسيء الظنّ أو نتسرّع في الحكم، لنكتشف لاحقًا أن الحقيقة أبعد بكثير مما رأينا. والجار الذي ظنّ والد العريس أنه أهمله في يوم فرحه، كان في الحقيقة يُعاني من فقدٍ لا يحتمله قلب.
وهكذا انتهى اليوم، تاركًا في النفوس أثرًا لا يُمحى. زُفّ العريس إلى عروسه بفرحٍ ناقص، وأُودع الجار قبره بقلوب دامية. وبين الموكبين، ظلّ الدرس حاضرًا: لا تحكم على الآخرين بظاهر مواقفهم، فقد يخفون وراء صمتهم ما لا تُطيقه الجبال.
تعليقات