قصة في قلب شتاء سويدي قاتم

قصة في قلب شتاء سويدي قاتم

لكن جسده كان يضعف بسرعة. كان بيتر يشعل أحيانًا ولاعة صغيرة لتدفئة يديه، إلا أن الغاز نفد بعد أيام. مرت الليالي كأنها دهور، وكان الظلام في شتاء السويد يطول حتى كاد يفقد إحساسه بالزمن. صار ينام فترات طويلة ليحافظ على طاقته، ويستيقظ فقط ليلعق بعض الثلج ويعود للسبات. ومع كل يوم جديد كان يشعر أن قلبه يخفق أبطأ وأن أطرافه تكاد تتجمد بالكامل. في بعض اللحظات كان يتخيل وجوه أحبائه أمامه، يسمع أصواتهم، ثم يدرك أنها هلوسات بسبب الجوع والبرد. حاول أن يكتب وصية سريعة على ورقة قديمة، لكن أصابعه المتجمدة بالكاد كانت تتحرك فوق القلم. ومع ذلك، ظل في أعماقه بريق أمل ضعيف، كأنه يرفض الاستسلام للموت. وفي اليوم السابع عشر بدأ يشعر أنه لم يعد يشعر بجسده، وأنه يتلاشى ببطء في صمت العاصفة.

في القرية القريبة، لم يكن أحد يعلم أين اختفى بيتر. بعض أصدقائه اعتقدوا أنه سافر إلى مدينة أخرى، وآخرون ظنوا أنه يقيم في مكان آمن. لكن في تلك الليلة، مرت مركبة مخصصة لإزالة الثلوج من الطريق المهجور، فلاحظ السائق طرف هوائي سيارة مدفونًا في الجليد. توقف قلبه للحظة، ونزل ليستكشف. أزاح الثلج بحذر، ليجد السيارة التي ظنها فارغة. نادى، فلم يتلق جوابًا. فتح الباب ببطء ليكتشف مشهدًا لم يصدقه في البداية.

كان بيتر مستلقيًا داخل حقيبة النوم، وجهه شاحب وعيناه شبه مغلقتين. اعتقد السائق أنه فارق الحياة منذ أيام. لكن حين اقترب أكثر، لمح نفسًا ضعيفًا يخرج من فمه المتجمد. هرع لطلب النجدة عبر جهاز الاتصال، وجاء فريق الإنقاذ بعد دقائق قليلة وسط الرياح العاتية. سحبوه برفق من قبره الجليدي، ولفوه ببطانيات حرارية، وأشعلوا المدفأة في مركبة الإسعاف. صوت أجهزة المراقبة الطبية كان ضعيفًا، لكنه أثبت أنه لا يزال حيًا.

بينما كانت السيارة تشق طريقها عبر الثلوج، بدأ بيتر يستعيد وعيه ببطء. فتح عينيه بتعب ورأى وجوه المنقذين تحيط به، والدموع تملأ عيني أحدهم. تمتم بصوت خافت يكاد لا يُسمع: “ظننت أنني لن أرى الضوء مجددًا”. كانوا يعلمون أنهم شهدوا معجزة، فالبقاء 17 يومًا بلا طعام تقريبًا وفي درجات حرارة كهذه كان أشبه بالمستحيل.

لكن المفاجأة الكبرى كانت تنتظر الجميع…
فحين وصل بيتر إلى المستشفى وكشفت الفحوصات التفاصيل، ظهر ما لم يتوقعه الأطباء في الصفحة الثانية………