قصة جاءت إمرأة إلى الحجاج
عندما قالت المرأة “قلة الفئران في بيتي” كانت في الحقيقة تعني: بيتي خالٍ من الطعام والحبوب، حتى الفئران التي كانت تجد فيه ما تأكله هجرت المكان. لقد عبّرت عن فقرها المدقع بهذه العبارة الملتوية لتستثير عطف الحجاج دون أن تطلب بشكل مباشر أو تُظهر ضعفها. إنها طريقة بارعة في استخدام الرمز لتوصيل رسالة حساسة.
أما الحجاج، فلم يقصد فعليًا أن تُقطع لسان المرأة، بل كان يقصد أن تُسكَت عن مثل هذا الكلام الذي اعتبره تلميحًا ساخرًا يمس هيبته أو يكشف عن سوء إدارة ولايته. كان أمره “اقطع لسانها” تعبيرًا مجازيًا يُستخدم قديمًا بمعنى: “أبعدوها وأوقفوها عن الكلام”، وليس أمرًا حرفيًا كما قد يتبادر إلى الأذهان. هذه الطريقة في الرد كانت شائعة بين الحكام ذوي الهيبة لإرهاب الناس ومنعهم من التلميح أو النقد غير المباشر.
القصة إذًا تحمل معنيين متداخلين: الأول إنساني واجتماعي، وهو أسلوب المرأة في التعبير عن فقرها دون طلب مباشر، والثاني سياسي، وهو سرعة غضب الحجاج وحساسيته تجاه أي عبارة قد توحي بالتقليل من شأنه. كثير من المؤرخين يرون في القصة عبرة في استخدام الحكمة عند الحديث، وأيضًا درسًا في فهم الألفاظ المجازية وسياقاتها.
وهكذا، فإن السؤالين الواردين يجدان جوابهما هنا: قصدت المرأة بفئرانها الفقر المدقع والجوع، بينما قصد الحجاج بأمره أن يُسكَت صوتها لا أن يُؤذى لسانها حقيقة. وهذا يوضح أن البلاغة والفطنة كانت جزءًا مهمًا من التواصل في زمن مضى، وأن كلمة واحدة قد تُغيّر مصير موقفٍ بأكمله.

تعليقات