قصة منذ أربعين عاماً وأنا ما زلتُ أتذكر حادثة حصلت لي

قصة منذ أربعين عاماً وأنا ما زلتُ أتذكر حادثة حصلت لي

كانت دمشق في ذلك الوقت مدينة تضج بالحياة رغم بساطتها، الأسواق ممتلئة بالباعة والروائح الزكية تفوح من المخابز ومحال الحلويات. نزلت من الباص متوجهاً إلى سوق الحميدية، وكنتُ أشعر بسعادة لا توصف، كأنني ملكت الدنيا بما فيها. كنت أتصور فرحة أهلي عندما أحمل لهم كعك الشام الشهير، والبرازق الذهبية، والغريبة الناعمة التي لم يكن من السهل أن نجد مثلها في السويداء. وضعت يدي على جيبي مرات عدة لأطمئن على الخمس ليرات الورقية، فهي ثروتي في تلك اللحظة.

دخلتُ أول محل للحلويات، وسألت البائع بابتسامة: “بكم الكيلو من البرازق؟” أجابني بثمن بدا مناسبًا، فقررت أن أشتري نصف كيلو، ثم أضيف معه كعكًا وغريبة. مددت يدي إلى جيبي، فلم أجد شيئًا! أصابني ارتباك شديد، وأعدت البحث مرة أخرى في الجيب الثاني، ثم في كل ثنايا ثوبي، لكن النقود اختفت. تلعثمت في الكلام أمام البائع وخرجت مرتبكًا، قلبي يخفق بسرعة، ودموعي تكاد تنزل من عيني.

مشيتُ حائرًا بين الناس، لا أدري كيف سأعود إلى أهلي خالي اليدين. كنتُ أفكر بالرحلة الطويلة التي قطعتها من السويداء، وبالأحلام الصغيرة التي رافقتني طوال الطريق. شعرت فجأة أن فرحتي بالنجاح انقلبت إلى حزن عميق، وتساءلت: هل سأعود بخيبة أمل؟ هل سأدخل البيت خالي اليدين بينما كانوا ينتظرون مني أن أحمل لهم شيئًا مميزًا من دمشق؟ كان شعور العجز أكبر من عمري في تلك اللحظة.

وبينما أنا غارق في حيرتي، لمحت شيخًا كبيرًا جالسًا قرب باب أحد المحلات، ملامحه هادئة وعيناه تلمعان بالحكمة. نظر إليّ باهتمام وكأنه شعر بضيقي، ثم أشار لي أن أقترب. جلست بقربه وأنا لا أملك الجرأة لأتكلم. سألني بابتسامة دافئة: “ما بك يا ولدي؟ وجهك يخبرني أن قلبك مثقل.” عندها انفجرت بالحديث، أخبرته أنني جئت أشتري حلويات لأهلي احتفالًا بنجاحي، لكن نقودي ضاعت ولا أدري كيف. استمع إليّ بصمت ثم مد يده إلى جيبه وأخرج ورقة نقدية بخمس ليرات ووضعها بين يدي.

لكن المفاجأة لم تكن في النقود…
بل في الكلمات التي قالها الشيخ العجوز بعدها في الصفحة الثانية…