قصة منذ أربعين عاماً وأنا ما زلتُ أتذكر حادثة حصلت لي

قال لي الشيخ وهو يربت على كتفي: “اسمع يا بني، المال يذهب ويعود، لكن الفرحة والنية الطيبة لا تعوض. لا تدع شيئًا صغيرًا يفسد قلبك أو يسرق ابتسامتك. هذه النقود ليست مساعدة فحسب، بل هي أمانة لتعيدها يومًا ما لغيرك ممن يحتاج.” كلماته وقعت في قلبي وقع السحر، وشعرت كأنني عدت أتنفس بعد ضيق شديد. شكرته ودموعي تسبقني، وذهبت مسرعًا إلى محل آخر، واشتريت ما أردت من كعك وبرازق وغريبة كما كنت أحلم.
في طريق العودة بالباص، كنت أنظر إلى الكيس الذي يحوي الحلوى وأبتسم، لكن ابتسامتي هذه المرة لم تكن فقط بسبب نجاحي أو بسبب فرحة أهلي التي سأراها، بل بسبب الدرس الكبير الذي تلقيته. أدركت أن الدنيا فيها قلوب بيضاء تضيء للآخرين في عتمتهم، وأن الأمل يمكن أن يولد في لحظة يأس بفضل إنسان كريم. كنتُ أشعر أنني كبرت سنوات في يوم واحد، وتعلمت أن المحنة قد تخبئ في طياتها نعمة.
وصلت إلى البيت، وفتحت الباب لأجد أمي وإخوتي بانتظاري. وضعت أمامهم الحلويات ورأيت الدهشة والسعادة في وجوههم، وعرفت حينها أن الرحلة لم تكن مجرد شراء طعام، بل كانت تجربة ستبقى في ذاكرتي ما حييت. وبعد سنوات طويلة، ما زلت أذكر الشيخ الذي لم أعرف اسمه، لكنه غرس في داخلي درسًا لا يمحى: أن الخير موجود، وأن علينا أن نكون نحن أيضًا ذلك الخير في حياة الآخرين.
وهكذا، كانت القصة الحقيقية التي عشتها في دمشق منذ أربعين عامًا نقطة تحول في حياتي، قصة جعلتني أؤمن أن القلوب الطيبة لا تموت، وأن المواقف الصغيرة قد تترك أثرًا أعظم من كل ما نملكه من مال أو جاه. وربما يكون أعظم نجاح في حياتي لم يكن نجاحي في الشهادة الإعدادية، بل نجاحي في اختبار الإنسانية في ذلك اليوم.
والإجابة النهائية: الخير لا يُقاس بالمال، بل بالنية الصافية والقلب الذي يزرع الأمل في الآخرين.
تعليقات