عندما قُبض على الشاب والفتاة معًا، كان الموقف في نظر رجال البحث الجنائي أمرًا اعتياديًا لا يخرج عن الروتين اليومي. الشاب أُرسل إلى التحقيق، أما الفتاة فقد أُحضرت إلى الإدارة كي تُنصح ويتم الاتصال بأهلها ليستلموها في ستر. جلست الفتاة صامتة متجمدة الملامح، لم تُجب عن أي سؤال، ولم تُبدِ أي انفعال، وكأنها غريبة في مكانها.
الضابط المسؤول وزميله تبادلا النظرات مرارًا، فقد بدا عليهما الإرهاق من محاولات الاستجواب الفاشلة. ومع كل سؤال كان يزداد الصمت ثِقلاً، حتى أصبحت الغرفة خانقة لا تُطاق. فجأة رفعت الفتاة يدها بخجل وأشارت إلى الضابط تطلب أن يقترب منها، فكان المشهد محيرًا له ولزميله.
طلب الضابط من زميله أن يخرج تاركًا الغرفة، ثم اقترب منها وسألها بهدوء: “ماذا تريدين أن تقولي؟”. خرج صوتها باكيًا مرتجفًا وهي تقول: “الله يستر على بناتك، أستر عليّ، فصاحبك اللي خرج أخي… وهو لا يعرف عني شيئًا. لو تكلمت أمامه سيتعرف على صوتي وينهار”. كانت كلماتها كالصاعقة على مسامعه.
في تلك اللحظة شعر الضابط أن الأرض تميد من تحته، فقد وضعته أمام امتحان صعب بين واجبه كضابط وبين إنسانيته كأخ وصديق. وقف لثوانٍ صامتًا يحاول استيعاب وقع الصدمة، وفي داخله تتصارع القيم والمبادئ مع الرحمة والخوف على مستقبل أسرة بريئة لا ذنب لها.
لكن ما لم تكن الفتاة تعلمه أن قرار الضابط في تلك اللحظة لم يكن سهلًا أبدًا، بل كان سيغيّر مسار حياته بالكامل… في الصفحة الثانية
تعليقات