لم أكن أتصور أن شهادة وفاة صاحب الشركة

لم أكن أتصور أن شهادة وفاة صاحب الشركة

في اليوم التالي، تلقيت اتصالًا منه يطلب مني الحضور إلى الشركة مرة أخرى. دخلت بخطوات مترددة، لا أعلم ما ينتظرني. كان يقف هذه المرة أمام مكتبه لا خلفه، مد يده نحوي قائلًا بصوت خاشع: “أعتذر لك يا عم سعيد، لقد ظلمتك.” لم أتمالك نفسي، شعرت أن كل ما فيّ انهار دفعة واحدة، ليست الدموع ضعفًا، بل راحة بعد طول وجع.

أخبرني بعدها أنه قرأ رسالة والده عشرات المرات طوال الليل، وأنه لم ينم من شدة الندم. قال لي إنه قرر إعادة الاعتبار لكل من عمل بصدق في الشركة، وطلب مني العودة لموقعي، لا كموظف بل كمستشار عام للشؤون الإدارية. لحظتها شعرت أن الله لم يخذلني، وأن الأمانة قد تُتعب أحيانًا، لكنها لا تخذل أصحابها أبدًا.

مرت أسابيع تغير فيها كل شيء، عاد الاحترام، وعاد الإحساس بالكرامة التي كدت أفقدها. ورأيت في هيثم الشاب المتغطرس سابقًا إنسانًا جديدًا، أكثر نضجًا وعدلًا. وربما كانت رسالة أبيه، ووقوفي أمامه يومها، سببًا في إنقاذه قبل أن يُكمل طريق الغرور الذي كاد يهلكه.

اليوم، وأنا أجلس في مكتبي الصغير الذي يحمل لوحة كتب عليها “مستشار إداري”، أتذكر تلك اللحظة أمام البنك، حين كدت أبيع ضميري لأجل لقمة العيش. والآن أدرك أن الله لا يترك الصادقين وحدهم، وأن الأمانة قد تؤلم، لكنها دائمًا تُكافأ ولو بعد حين.