يقول بائع الخضار في مدينة حلب السورية
يقول بائع الخضار في مدينة حلب السورية، من فترة قصيرة كانت كل يومين تأتي سيدة وتسألني عن سعر الموز، فأجيبها ثم تمضي دون أن تشتري شيئًا. في البداية لم أعر الأمر اهتمامًا، لكن تكرار الموقف جعلني أتساءل عن سبب تصرفها. كانت ملامحها هادئة لكنها تحمل في عينيها شيئًا من الحزن والكبرياء في آن واحد، وكأنها تخفي وجعًا لا تريد لأحد أن يراه.
وذات يوم، بعد أن غادرت، قلت في نفسي إنها على الأرجح لا تملك ثمن الفاكهة، وأنها تأتي فقط لتسأل من باب الأمل. حينها قررت أنه عندما تأتي في المرة القادمة سأعطيها ما تحتاجه دون أن آخذ شيئًا منها. وفعلاً، بعد يومين عادت وسألتني بنفس الطريقة عن السعر، فابتسمت وقلت لها إن اليوم مميز، لأننا نبيع الموز مجانًا، وقدمت لها كيسًا فيه كيلوَين هدية مني.
نظرت إليّ تلك السيدة بنظرة امتنان صامتة لكنها سرعان ما أعادت الكيس وقالت بلطف إنها لا تستطيع أن تأخذ شيئًا دون مقابل، ثم شكرتني وغادرت. أثّر فيّ موقفها كثيرًا، فقد أدركت أن حاجتها ليست فقط مادية، بل إن كبرياءها يمنعها من أن تمد يدها حتى في أشد الأوقات صعوبة. كنت على يقين أن وراءها قصة مؤلمة، قصة تجعلها تسأل دون أن تشتري، وتقترب دون أن تطلب.
مرت الأيام وغابت عني أسبوعًا كاملًا، حتى ظننت أنها لن تعود. لكن ذات صباح رأيتها من بعيد تتجه إلى المتجر بخطا بطيئة، ونظراتها تائهة كما لو أنها تبحث عن شيء مفقود. اقتربت وسألتني مجددًا عن سعر الموز، فأجبتها وأنا أبتسم بأن السعر كما هو، وتوقعت هذه المرة أن تشتري، لكنها اكتفت بابتسامة صغيرة ثم شكرتني ومضت كعادتها.
عندها قررت أن أعرف ما تخفيه هذه السيدة، لأن الفضول اختلط بالشفقة في قلبي، فتبعتها بهدوء حتى وصلت إلى باب مدرسة قريبة…يتبع في الصفحة الثانية

تعليقات