يقول بائع الخضار في مدينة حلب السورية

يقول بائع الخضار في مدينة حلب السورية

وقفت تلك السيدة أمام المدرسة تنتظر بصبر، وما إن رنّ الجرس وخرج الأطفال حتى ركض نحوها طفل صغير يحمل حقيبته القديمة. احتضنها بحب وقال بصوت بريء جعلني أتجمد في مكاني: “ماما، اليوم المعلمة قالت إن الموز مفيد للقلب، ممكن تجيبيلي واحدة بكرة؟” عندها ابتسمت له والدموع في عينيها وقالت: “أكيد يا روحي، المرة الجاية إن شاء الله.”

في تلك اللحظة شعرت بوخزة في صدري، فهمت كل شيء دون أن تشرح لي. كانت تلك الأم تأتي فقط لتسأل عن السعر، حتى تعد ابنها بأنها ستشتري له يومًا ما، حين يصبح لديها ما يكفي. لم تكن تبحث عن الموز، بل كانت تبحث عن أمل صغير تقدمه لابنها كي لا يشعر بالحرمان. عدت إلى متجري وأنا أحمل في قلبي ثقلًا من الحزن، وعرفت أن بعض القصص تختبئ خلف أبسط الأسئلة.

في اليوم التالي، عندما رأيتها تقترب من بعيد، كنت قد أعددت كيسًا صغيرًا فيه موز وتفاح وبعض البرتقال، وكتبت عليه “من أم إلى أم، ومن قلب يفهم إلى قلب صابر”. لم أتكلم كثيرًا، فقط سلمتها الكيس بابتسامة خفيفة، فابتسمت بدورها وهي تمسكه بيديها المرتجفتين، وكأنها وجدت أخيرًا من شعر بها دون أن يجرح كرامتها.

منذ ذلك اليوم، صرت أرى في كل زبون قصة قد لا أعرفها، وأصبحت أكثر حذرًا في حكمي على الناس. فبعض الذين يرحلون بصمت عن متاجرنا، لا يرحلون لأنهم لا يريدون الشراء، بل لأنهم يخوضون معركة الكرامة في صمت. وتلك السيدة علمتني درسًا لن أنساه أبدًا، أن الرحمة الحقيقية لا تكون في العطاء فقط، بل في الطريقة التي نعطي بها.