قصة عشر سنوات ربيت ابني بدون أب
ابني اختبأ خلفي، وهو لا يدرك أن الرجل الواقف أمامه هو الدم الذي يجري في عروقه. الرجل اقترب خطوة…
ثم أخرى…
ثم توقّف على مسافة تسمح لي بأن أشم رائحة المطر العالق في ثيابه. قال بصوت متردد، كأنه يُجبر نفسه على الكلام:
“أنا… لم أهرب. لقد اختفيت… لأنني كنت في المستشفى بين الحياة والموت.”
تشتت عقلي.
كيف؟ ولماذا الآن؟ ولماذا أمام كلّ الجيران؟ تابع وهو يخفض رأسه:
“في اليوم الذي أخبرتكِ فيه أنني سأعود إلى أهلي… تعرّضتُ لحادث مروّع. استيقظت بعد أشهر… فاقداً الذاكرة تماماً.”
صوت الجيران خفَت.
الكل أصبح ينصت بذهول. “قبل شهر فقط…”
رفع رأسه نحو ابني، وعيناه تلمعان كأنهما رأتا الحياة لأول مرة:
“عادَت ذاكرتي بالكامل… وتذكرتكِ. وتذكرته… ابني.”
كنت أرتجف.
هل أصدّق؟
هل أكذّب؟
أم هل أبكي عشر سنوات من الوجع مرّة واحدة؟
اقترب رجل من الرجال الذين كانوا معه، يبدو كمساعد أو محامٍ، وقال باحترام:
“سيدتي… السيد ظل يبحث عنكما منذ أن عاد وعيه. وقد أصرّ أن يأتي بنفسه، دون إعلام أي جهة، ليرى ابنه لأول مرة.”
ابني رفع رأسه نحوي وهمس بخوف:
“ماما… هو فعلاً… بابا؟” تجمدتُ.
سؤال واحد فقط… كسر قلبي كله.
الرجل انحنى على ركبتيه أمام الطفل، وفتح ذراعيه ببطء:
“أنا… كنت أحلم بهذه اللحظة عشر سنوات.” لكن الطفل تراجع خطوة.
لم يندفع.
لم يعانق.
فهو لا يعرف هذا الوجه… ولا يعرف معنى كلمة “أب” إلا من قصص الآخرين.
نظرتُ إلى الرجل، إلى عينيه التي فيها حزن السنين…
ورغم الألم… شعرتُ أن الحقيقة أكبر منّي ومنه. لكن ما حدث بعدها…
كان الشيء الذي قلب حياتي كلها. فبينما نحن واقفون أمام البيت، تقدمت امرأة من إحدى السيارات… سيدة أنيقة… وقفت بجانب الرجل ونظرت إليّ ببرود.
وقالت جملة لوّعت صدري كله: “أنا زوجته.”والصمت الذي تلا كلماتها…
كان أقسى من كل السنوات التي سبقت.

تعليقات