قصة كان المشهد على الطريق السريع صادمًا
جلست بجانبه داخل السيارة بينما كان ينظر إلى الطريق الممتد أمامنا بخوف واضح كأنه يخشى العودة مثل من يخشى فتح باب يعرف أن خلفه خرابًا ثقيلًا. صوته كان بالكاد يسمع وهو يقول إن المنزل لم يعد مكانًا آمنًا منذ سنوات وأن شيئًا أسود تسلل إلى حياتهم دون أن يعرفوا كيف. كنت أتنفس بصعوبة وأنا أحاول جمع شجاعتي لسؤاله عما يعنيه لكنه كان يشيح بوجهه كلما نظرت إليه. بدا وكأنه لا يريد أن يرى ردة فعلي على ما سيقوله.
قال لي إن أخي أدريان تغيّر بطريقة مرعبة بعد سفري وأن غضبه صار يسبق أي كلمة تخرج منه حتى إنه كسر باب غرفته ذات مرة بلا سبب. أما برونو فقد بدأ يختفي لساعات طويلة من النهار والليل ولم يكن يخبر أحدًا أين يذهب. أمي من جهتها كانت تحاول إخفاء خوفها لكن التعب كان يفضحها كل ليلة. كنت أشعر أن كل كلمة تزيد الجرح اتساعًا وأنا أحاول أن أتماسك أمام والدي كي لا ينهار أكثر.
سألته لماذا لم يتصل ولماذا لم يخبرني بشيء من هذه الفوضى التي دمرت عائلتنا فقال لي إنهم حاولوا عدة مرات لكنه كان يخشى أن يعترض مستقبلي طريق تلك الأزمات. قال إنه كان يؤمن أن ابتعادي عن سبتة سيحميني من الغرق معهم لكنه لم يتخيل أن الأمور ستتطور بهذا الشكل. بدا وكأنه يلوم نفسه على كل ما حدث وكأن حمل السنوات كلها وُضع فوق كتفيه وحده. كنت أشعر أن قلبي ينضغط كلما حكى أكثر.
ثم التفت إلي فجأة وقال لي ما لم أكن مستعدًا لسماعه حين أخبرني أن أدريان في السجن بسبب مشاجرة خطيرة وأن برونو مفقود منذ أربعة أشهر ولا أثر له. وأن أمي سقطت في اكتئاب شديد جعلها غير قادرة على مغادرة غرفتها لأسابيع كاملة. ارتجفت يداي على المقود بينما كنت أحاول الحفاظ على توازني لأكمل القيادة. شعرت أن الطريق أمامي يضيق وأن الهواء داخل السيارة صار ثقيلاً كالرماد.
لا ترحل… ففي الصفحة الثالثة ستنكشف أسرار غابت سنوات، وسيتحدد مصير العائلة عند أول خطوة داخل سبتة….

تعليقات