قصة مليونير حديث الثراء دفعَ متسوّلةً فقيرة في السوق
كان السوق يعجّ بالضوضاء بينما كان إيثان يتجوّل بثقة رجل يملك العالم رغم أنه لم يملك يومًا سوى الشوارع التي يمشي عليها الآن. كان يرفع رأسه كأنه يتجاهل الماضي الملتصق بجدران المكان وكل زاوية يعرفها أكثر مما يريد. عيناه كانت تتنقل بين الباعة واللافتات، لكن قلبه كان فارغًا كمدينة مهجورة لا يسكنها سوى ذكريات لا يريد الاعتراف بها. لم يكن يعلم أن خطواته اليوم ستسحق شيئًا داخل قلبه قبل أن تسحق كرامة امرأة ضعيفة.
اقترب من تلك العجوز التي ظنها مجرد متسوّلة أخرى تعيق طريقه بينما كانت هي تنظر إليه بعينين دامعتين تتعرّفان عليه قبل أن يتعرّف هو على نفسه. لم يكن يطيق رؤية الفقر لأنه كان يرى فيه صورته القديمة التي حاول قتلها بكل الطرق. وعندما تحدثت بكلمات مرتجفة وكأنها تُسقط ثلاثين عامًا من الألم لم يسمع منها سوى صدى ماضٍ لا يريد عودته. مشى مبتعدًا عنها وهو يعتقد أنه ينتصر على ضعفه بينما كان يهزم أمه دون أن يعرف.
كانت مارغريت تنظر إليه كأنها ترى شبحًا عاد من الماضي بثياب فاخرة ووجه لا يشبه الطفل الذي تركته إلا في تفاصيل صغيرة. حاولت النداء باسمه لكن صوتها خذلها كما خذلتها الحياة مرارًا، فبقيت الكلمات عالقة في حلقها المتشقق. أرادت أن تعلن الحقيقة وتقول إنها لم تهرب يومًا منه بل من رجل كسرها وحطمها وهدد حياتهما. لكن جسدها المنهك كان يرتجف أكثر من قدرتها على الاعتراف.
أمسكت صدرها وهي تشعر بوخز منعش لأول مرة منذ سنوات كأن رؤية ابنها أعاد إليها نبضًا ميتًا، لكنها كانت تعرف أن الطريق بينهما صار طويلاً قاسيًا. كانت تنظر إلى سيارته السوداء وهي تختفي خلف الضجيج وكأنها تشاهد أملها الأخير يبتعد خطوة وراء خطوة. وفي تلك اللحظة تساءلت إن كان القدر قاسيًا لهذه الدرجة أم أنه يمنحها فرصة لم تفهمها بعد. ثم أغمضت عينيها وهي تتمتم باسمه كأنها تحاول الاحتفاظ بنبرة صوته داخل قلبها المنكسر.
يظن إيثان أنه ترك الماضي خلفه لكنه لم يعلم أن الصفحة الثانية ستمزق ما بنى من كبرياء وتكشف أول خيط من الحقيقة المختبئة في الظلال…

تعليقات