قصة بعد وفاة زوجتي، طردتُ ابنتها
كانت الشابة تقف على عتبة الباب وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظة. رفعت رأسها نحوي بابتسامة خفيفة تخفي وراءها ثقل سنوات طويلة. قالت: “اسمي إيما… وأنا من المستشفى المحلي. هل أنتَ مايكل كارتر؟” أومأت برأسي دون أن أنطق، فقد كان في عينيها شيء يعيدني إلى صورٍ قديمة كنت أحاول نسيانها. دعوتها للدخول، لكن يداي كانتا ترتجفان وأنا أفتح الباب لها، وكأن قلبي يعرف أن هذه الزيارة لن تكون عابرة أبدًا.
جلست أمامي ووضعت دفتر الملاحظات على الطاولة، ثم قالت بصوت ناعم يحمل احترامًا غريبًا: “أنا هنا بشأن أحد المرضى… فتاة شابة جاءت قبل أشهر وهي تعاني من نقص تغذية شديد.” لم أعرف لماذا بدأ صدري يضيق، ولماذا أصبحت أنفاسي أثقل. تابعت إيما حديثها وهي تنظر إلى وجهي مباشرة: “كانت ترفض ذكر أي معلومات… لكنها أخيرًا نطقت باسم واحد فقط… اسمك.” شعرت بصدمة جعلت وجهي يفقد لونه، وكأن أحدهم سحب الهواء من الغرفة بأكملها. “أي… أي اسم قالت؟” سألت، رغم أن عقلي عرف الجواب قبل لساني.
قالت إيما بخفوت يكاد يكون همسًا: “ليلي… اسمها ليلي.” شعرت بالدم ينسحب من أطرافي، وبذكريات عشر سنوات تنهض من قبورها دفعة واحدة. صورة الطفلة تحت المطر، حقيبتها الصغيرة، نظرتها المكسورة… كل شيء عاد بقوة لم أستطع صدّها. حاولت أن أتنفس، لكن صوتها كان يطغى على كل شيء داخلي: “إنها في حالة حرجة… وقد طلبت رؤيتك.” لم أفهم كيف يمكن لجملة واحدة أن تهدّ جبالًا من الغضب والوهم التي بنيتها داخلي طوال السنين. كل ما عرفته هو أن الأرض بدأت تميد تحت قدمي.
لم أنتظر لحظة أخرى. أمسكت معطفي القديم وغادرت معها، وأنا أجرّ خطواتي كمن يسير إلى محكمة قدره. طوال الطريق، كانت إيما تشرح تفاصيل الحالة، لكن صوتها كان بعيدًا كأنه يأتي من عالم آخر. كنت أرى فقط طفلة في الرابعة عشرة تهرب في المطر، وأبًا مخدوعًا اختار أسوأ طريق يمكن أن يختاره إنسان. عندما وصلنا، شعرت أن المستشفى أكبر مما يجب، وأن الممرات أطول مما تحتمل روحي. وكل خطوة كنت أخطوها نحاول غرفة ليلي كانت تعيد إليّ صدى صرختي القديمة: “اخرجي! أنتِ لستِ ابنتي!”
الصفحة التالية تحمل اللقاء الذي لم أكن مستعدًا له… اللقاء الذي أعاد تعريف معنى الأبوة بأكمله…

تعليقات