قصة أطلِق سراحَ أبي وسأجعلك تمشي
الجميع ظنّ أن ما يحدث مجرد وهم، لكن القاضي والتر شعر بأن رجله اليسرى تتحرك حركة خفيفة أسفل البطانية التي تغطي الكرسي. صوته اختنق وهو يحاول أن يخفي ما حدث، إلا أن الرعشة الثانية كانت أقوى، حتى إنه أمسك بذراع الكرسي ليثبت نفسه. ارتفعت أصوات الفوضى فجأة، أحد المحامين صرخ أن هناك أمرًا طبيًا طارئًا، بينما قالت امرأة إنها رأت قدم القاضي ترتجف بوضوح. أما الطفلة، فقد تقدمت خطوة نحوه، ملامحها لم تعد تحمل خوفًا، بل معرفة كاملة بما سيحدث، كما لو أنها تحمل سرًا لا يملكه سواها.
انحنى القاضي على نفسه قليلًا، يشعر بأن الدم يعود إلى ساقيه كأنه نهر انفجر بعد سدّ طويل. الحرارة كانت مؤلمة، لكنها بالنسبة إليه كانت أجمل ألم شعر به منذ سنوات. حاول بكل قوته ألا ينهار، لكن جسده لم يعد يطيق الاحتمال. رفع عينيه نحو الطفلة وهو يلهث، وعيناه تمتلئان بأسئلة لا حصر لها: من تكون؟ كيف تفعل هذا؟ ولماذا يحصل له هذا بالضبط الآن؟ الطفلة لم تجب، بل نظرت إليه بعينين دامعتين وكأنها تشفق عليه بطريقة لا تتناسب مع عمرها. وضعت يدها على قلبها وقالت بوضوح: «أبي لم يسرق… زي ما أنت فاكر.»
تجمّد القاضي تمامًا حين سمع كلماتها الأخيرة، ليس لأنها جريئة، بل لأنها لامست حقيقة حاول دفنها طويلًا: أن ليس كل من يُتهم مذنب، وأن الصرامة التي عاش بها كانت درعًا يخفي عجزه وضعفه. لأول مرة منذ سنوات، شعر بأنه ليس قاضيًا… بل إنسان. ارتفعت الأصوات في القاعة، البعض يصرخ بضرورة إيقاف الجلسة، والبعض الآخر يطالب بإخراج الطفلة بالقوة. لكن والتر رفع يده فجأة، وأشار للجميع بالصمت. توقفت الهمهمات دفعة واحدة، وكأن القاعة بأكملها انصاعت له رغم الاضطراب. نظر إلى ساقيه، ثم رفع رأسه ببطء كأن العالم كله يسقط أمامه.
في تلك اللحظة، حاول أن يحرّك رجله اليمنى، مجرد محاولة صغيرة، حركة لا تتجاوز بضع سنتيمترات… لكنها حدثت. القاعة لم تستوعب ما ترى، أحد الصحفيين صرخ أنه يسجّل معجزة، فيما ركض أحد رجال الأمن نحو المنصة وهو مذهول. أما والتر، فقد بدأت دموعه تنزل للمرة الأولى منذ عقود، ليس فرحًا فقط، بل خوفًا شديدًا من شيء أكبر من الطب والقانون. الطفلة رفعت يدها مرة أخرى، وابتسامة خفيفة ظهرت على وجهها، شبه ابتسامة طفل يطمئن رجلًا كبيرًا بأنه ليس عليه الخوف.
تابع في الصفحة الثالثة، فالحقيقة التي ستكشفها الطفلة ستغيّر مصير الجميع…

تعليقات