قصة لم أكن أتخيل أن اللحظة التي وقفت فيها أمام المجلس البلدي
لم أكن أتخيل أن اللحظة التي وقفت فيها أمام المجلس البلدي ستعيد ذاكرتي إلى تلك الليلة الباردة خلف ورشة ميغيل. كانت وجوه أعضاء المجلس متغطرسة، يتحدثون بثقة عن “تنظيف الحي من الفوضى”، بينما كانوا في الحقيقة يريدون الاستيلاء على قطعة الأرض التي تقف عليها الورشة لبيعها لمستثمر ثري. كان صوتي ثابتًا، لكن قلبي كان يضرب بقوة، ليس خوفًا من القضية، بل دفاعًا عن الرجل الذي أعاد لي حياتي. كان ميغيل يجلس في الصف الأول، بيده اليسرى يمسح لحيته الطويلة، وبالأخرى يعصر قبعته الجلدية من التوتر. لم يكن يعلم أن سالفتي القديمة أصبحت اليوم سلاحي الأقوى.
حين بدأت بعرض الأدلة، لم أكن أعرضها كمحامٍ فقط، بل كشخص يعرف تمامًا قيمة هذا المكان. شرحت كيف أن الورشة ليست مجرد متجر للدراجات، بل ملجأ حقيقي لعشرات الشباب الذين أنقذهم ميغيل من الشوارع. تحدثت عن دوره في تدريب المراهقين، وعن السجلات التي تثبت أنه وفر لهم عملاً وساعات تدريب قانونية. ومع كل كلمة، شعرت بالذكريات تعود: كيف كنت أرتجف في الليل خوفًا من الشرطي الذي سيعيدني إلى بيت الحضانه، وكيف كان صوت أدوات الورشة أول صوتٍ منحني الأمان بعد أسابيع من الهرب. كان ميغيل يحدق بي بنظرة لم أرها من قبل—نظرة فخر، ونظرة اعتراف أنني لم أعد ذلك الطفل الذي وجدوه في القمامة.
لكن أعضاء المجلس لم يكونوا مستعدين للاستسلام. بدأ أحدهم بتوجيه أسئلة متعالية، محاولًا إظهاري كمحامٍ متحيز، وقال ببرود إن “الأماكن مثل ورشتكم تجذب المشاكل”. كان بإمكاني الرد بطريقة رسمية، لكنني اخترت الحقيقة. أخبرته أن المشاكل التي يتحدث عنها لم تأتِ من الورشة يومًا، بل من المجتمع الذي ترك أطفالًا مثلي يهيمون في الشوارع دون حماية. أخبرته أن ميغيل لم يكن مجرمًا، بل الرجل الوحيد الذي رأى إنسانًا في طفلٍ مرميٍّ بين القمامة. هذا الصدق أحرجهم، وجعل بعض الحاضرين يهمسون فيما بينهم، فقد بدأت الحقيقة تتسرب رغمًا عنهم.
ومع استمرار الجلسة، لاحظت أن ميغيل لا يزال يحني رأسه، كأنه يخشى أن تفضحه دموعه. لم يكن يتوقع يومًا أن يقف “الطفل الذي وجده خلف الورشة” ليحميه من قانون جائر. حين التفتُّ إليه، رأيت في عينيه قصة كاملة لم يُخبرني بها يومًا. قصة رجلٍ وحيد، فقد الكثير، ووجد في طفلٍ جائع مكسور شيئًا يشبه الابن الذي تمناه. ومع كل دقيقة تمرّ، كنت أدرك أن هذه القضية ليست معركة قانونية فحسب، بل معركة حياة… معركة من أجل الرجل الذي أعطى لي أول سرير، أول وجبة، وأول فرصة لأصبح شخصًا له مستقبل.
لكن ما سيحدث في الصفحة الثانية سيغيّر مجرى القضية بالكامل…

تعليقات