قصة لم أكن أتخيل أن اللحظة التي وقفت فيها أمام المجلس البلدي
في منتصف الجلسة، وقبل أن أتمكن من تقديم الوثائق الأخيرة، دخل رجلٌ ضخم بسترته الجلدية السوداء واقترب من المنصة. كان وجهه يحمل ملامح الشوارع والسنوات القاسية، لكنه وقف بثبات أثار اهتمام الجميع. نظر القاضي إليه متسائلًا عن هويته، فأجاب الرجل بصوت هادئ لكنه قوي: “اسمي سنيك… وأنا شاهد.” لم يكن أحد قد استدعاه، لكن وجوده لم يكن مفاجئًا بالنسبة لي. كان هذا الرجل هو أول من علمني الحساب باستخدام مقاييس المحركات، وأول من أعطاني وجبة ساخنة بعد ميغيل. تقدّم خطوة، ووضع على الطاولة ملفًا صغيرًا، وقال: “هذا ليس مجرد متجر… هذا المكان هو ما أنقذني وأنقذ هذا الشاب.” ومع كل كلمة، بدأ الجمهور يلتفت، وبدأ أعضاء المجلس يفقدون سيطرتهم.
فتح القاضي الملف، فوجد شهادات من عشرات الأشخاص—ميكانيكيين، محاربين قدامى، شبابًا وجدوا في الورشة مخرجًا من الإدمان، وحتى موظفين اجتماعيين يشهدون بأن ميغيل أنقذ حياة العديد منهم. شعرت بالصدمة، فقد جمعوا كل ذلك دون أن يخبروني. لكن أكثر ما أثّر بي هو شهادة خطية من أحد الأطباء النفسيين تشيد بدور الورشة في مساعدة المراهقين الذين لا يملكون بيوتًا. أدرك المجلس حينها أن القضية لم تعد ضد ورشة عادية، بل ضد مجتمع صغير وقف بقوة ليحمي الرجل الذي كان بمثابة الأب للجميع. ارتبكوا، حاولوا تغيير مجرى الحديث، لكن الصورة كانت واضحة والإجماع الشعبي بدأ يتشكل داخل القاعة.
ثم حدث ما لم يتوقعه أحد. وقف ميغيل بنفسه، وتقدم نحو المنصة، وصوته يرتعش للمرة الأولى منذ أن عرفته. قال: “أنا رجل أخطأت كثيرًا في حياتي، لكن الشيء الوحيد الذي لم أندم عليه… هو العثور على هذا الولد.” التفت إليّ، وبدا صوته مكسورًا وهو يكمل: “هو ليس ابني على الورق… لكني ربيته كما لو أنه قطعة من روحي.” هذه الكلمات لم تكن مجرد شهادة، بل كانت ضربة موجعة للمجلس الذي كان يحاول تصويره كفوضوي ومجرم. صمتت القاعة بالكامل، وبدأ الناس يتمتمون بتأثر. حتى القاضي بدا وكأنه يحاول إخفاء انفعاله، فصوت الحقيقة كان أعلى من كل القوانين الجافة.
وعندما صدر الحكم أخيرًا، كان واضحًا أن الحقيقة انتصرت. رفض القاضي طلب المجلس، وأعلن أن الورشة تُعتبر منشأة لها دور مجتمعي مثبت، وأن إغلاقها سيكون ظلمًا لا يستند إلى أي أساس. حينها التفتُّ نحو ميغيل، فرأيته يضع يده على وجهه، يحاول إخفاء دموعه التي طالما اعتبرها نقطة ضعف. تقدمت إليه، ورغم أننا لم نعانق أبدًا بطريقة أبوية واضحة، إلا أنه سحبني بقوة إلى صدره وقال بصوت خافت: “أنا فخور بك يا بني.” لم تكن هناك حاجة لكلمات أخرى. ففي تلك اللحظة أدركت أن الرجل الذي وجدني في القمامة، لم ينقذ حياتي فقط… بل صنعها من جديد.

تعليقات