قصة نشأتُ مع عمٍّ لم يردني يومًا في بيته

قصة نشأتُ مع عمٍّ لم يردني يومًا في بيته

كان المكان الذي أخذوني إليه منزلاً صغيرًا تديره امرأة تدعى السيدة راضية. كانت مظهرها يوحي بالصرامة، لكن عينيها كانتا تحملان طمأنينة نادرة. استقبلتني بعبارة بسيطة: أنت الآن في أمان. لم أصدقها في البداية. كنت قد سمعت كلمات مشابهة من قبل، ومع ذلك عرفت الألم بعدها. لكن ذلك المساء، حين وضعت أمامي طبقًا من الطعام وقالت لي أن آكل بروحي لا بخوفي، شعرت للمرة الأولى بأن جسدي يستطيع أن يجلس دون أن ينتظر أمراً أو يتهيّأ لضربة.

مرت الأيام، وبدأت أستعيد قدرتي على النوم دون فزع. كانوا يعاملونني باحترام، وكأنني شخص يستحق الرعاية وليس عبئًا. أعطوني سريرًا حقيقيًا، وملابس نظيفة، ودفترًا جديدًا بدلًا من الدفتر الممزق الذي كنت أخجل حتى من إخراجه في المدرسة. والأغرب من كل ذلك أنني لم أسمع صراخًا واحدًا طوال الأسبوع الأول. كانت السيدة راضية تقول دائمًا إن الأطفال مثل النباتات، لا تنمو إلا في بيئة تسمح لها بالضوء. وكان ضوئي قد يعود ببطء.

وفي أحد الأيام، زار المركز رجل طويل القامة، يرتدي نظارات مستديرة، له شعر رمادي خفيف وابتسامة هادئة. كان اسمه الأستاذ هارون، متطوع يزور الأطفال كل شهر. لكنه حين رآني، توقّف كأنه يعرف شيئًا لا أعرفه. سألني عن اسمي، عن عمري، وعن المدرسة التي أذهب إليها. ثم جلس أمام السيدة راضية يتحدث معها بصوت منخفض، بينما كنت أراقبهما بشعور غريب، شعور يشبه أن شيئًا كبيرًا يتحرك بصمت نحو حياتي دون أن أفهم بعد شكله أو سببه.

في نهاية الزيارة، اقترب مني الأستاذ هارون وقال: هل تحب القراءة؟ هززت رأسي بتردد، فأعطاني كتابًا صغيرًا وقال: جرب هذا، وأخبرني رأيك حين أراك في المرة القادمة. لم أفهم لماذا يهتم بي تحديدًا، ولماذا شعرت بالراحة قربه رغم أنني بالكاد أعرفه. أخذت الكتاب، وفتحته تلك الليلة، وصارت الحروف لأول مرة منذ سنوات لا تهرب من عيني، وكأنها وجدت طريقًا جديدًا إليّ. كان الكتاب عن طفل وجد من ينقذه في اللحظة التي ظن فيها أن العالم كله تخلى عنه.

في الصفحة التالية ستظهر الحقيقة التي لم أكن أتوقعها أبدًا ستعرفون ماذا أراد مني الأستاذ هارون ولماذا اختارني دون غيري…