قصة نشأتُ مع عمٍّ لم يردني يومًا في بيته
في الزيارة التالية، جاء الأستاذ هارون باكرًا على غير عادته. كان يحمل حقيبة صغيرة، وعيناه فيهما توتر ما. جلست أمامه وهو يطلب مني أن أفتح الكتاب الذي أعطاني إياه. فعلت بصمت، فابتسم وقال: لست هنا لأعطيك كتبًا فقط… أنا هنا لأنني أعرف والديك. تجمّدت مكاني، كأن الزمن توقف. لم أسمع أحدًا يذكرهما منذ سنوات، ولم أتوقع أن يظهر شخص من الماضي يحمل شيئًا من رائحتهما. قال إن والدَيَّ كانا زملاءه في العمل، وإنه كان صديقًا مقرّبًا لوالدي قبل الحادث.
ثم أخرج من الحقيبة صورة قديمة. كانت صورة تجمع والدي والأستاذ هارون في مكتب صغير بابتسامات واسعة. حين رأيتها، شعرت بأن قلبي ينفلت من مكانه، كأنني ألتقي بظلٍ من الماضي كنت قد فقدته. سألته لماذا لم يظهر قبل ذلك. أجاب أنه حاول البحث عني بعد وفاة والديّ، لكنه لم يكن يعلم أنني أعيش مع عمّي، لأن عمّي لم يبلّغ أحدًا أو يقبل أي زيارة. وعندما علم أخيرًا من معلمتي أن هناك طفلًا يُساء معاملته ويحمل اسمي، عرف أنه أنا.
لم أستطع الكلام. كنت أنظر إلى الصورة كأنها نافذة مفتوحة على زمن كان فيه البيت دافئًا والقلب مطمئنًا. قال الأستاذ هارون إنه تقدم بطلب رسمي ليصبح وصيًا عليّ، وأنه يريد أن يأخذني للعيش معه إن وافقت. لم أكن أعرف ماذا أقول، لكن كل ما شعرت به كان شيئًا يشبه الأمل يغطي جروحي القديمة. لم يطلب مني أن أعمل، ولم يضع شروطًا، ولم يتجاهل ألمي. فقط قال: أريد أن أعطيك ما كان والداك يتمنّيانه لك.
بعد أسابيع من الإجراءات، وقّعت الدائرة الاجتماعية على نقلي رسميًا إلى رعايته. حملت حقيبتي الصغيرة، لكن هذه المرة لم تكن حقيبة هروب، بل حقيبة بداية. وقفت أمام باب المركز، والسيدة راضية تودعني بدموع حقيقية، والأستاذ هارون ينتظرني بسيارته بابتسامة دافئة. وعندما ركبت السيارة، شعرت أنني أترك خلفي كل ليلة مظلمة، وكل صرخة، وكل شعور بأنني غير مرغوب بي. كنت أدخل عالمًا جديدًا، ليس مثاليًا، لكنه على الأقل… عالم يريدني فيه أحد.
وهكذا بدأت حياتي الثانية، حياة لم تُبنَ على الخوف بل على فرصة، فرصة أن أصبح الإنسان الذي كدت أفقده في الطريق الطويل بين الألم والنجاة.

تعليقات