كان يفصلني يومٌ واحد فقط عن الزواج بزوجتي الجديدة
استند الشاب إلى أقرب شجرة، وكأنه فقد القدرة على الوقوف من ثقل ما يحمله. كنت أراقبه بصمت، مترددًا بين الاقتراب منه أو الابتعاد عنه. بدا كمن عبر صراعًا طويلاً قبل أن يصل إلى هذه اللحظة. وبعد دقائق بدت أطول مما هي، قال إنه كان في موقع الحادث في ذلك اليوم. هذه الجملة وحدها جعلت الدفء يغادر جسدي. لم أتحرّك، ولم أتنفّس بعمق، فقط استمعت. قال إنه كان شاهدًا، لا… أقرب من شاهد. قال إنه رأى كل شيء يحدث أمامه، وأنّ صور ذلك اليوم لم تفارقه لحظة واحدة منذ أربع سنوات كاملة.
حاولت مقاطعته، لا لأنني أريد إسكاته، بل لأن قلبي لم يحتمل فكرة أن أحدهم يعرف ما حدث أكثر مني. لكنّه رفع يده المرتجفة وكأنه يرجوني أن أسمع للنهاية. قال إن زوجتي لم تمت فورًا كما أخبروني، وإنه كان أول من وصل إليها قبل سيارة الإسعاف. قال إنها كانت واعية للحظات، أنها حاولت الكلام، وأنه سمع كلماتها الأخيرة قبل أن تغمض عينيها إلى الأبد. كدت أصرخ من الصدمة، من الألم الذي عاد فجأة بكل حدّته القديمة. لماذا لم يخبرني أحد بذلك؟ لماذا لم يقترب مني هذا الشاب طوال هذه السنوات؟ ولماذا الآن… قبل يوم واحد فقط من زفافي؟
لكن الصدمة الحقيقية لم تكن في أنها تكلمت… بل في ما قالته. قال إن كلماتها الأخيرة لم تكن عن الحادث، ولا عن الألم، ولا حتى عنّي. بل قالت جملة واحدة فقط، جملة ظل يحتفظ بها لأربع سنوات دون أن يجرؤ على إخبار أحد. قال إنها همست له باسم شخص… شخص حي. اسم لم أسمعه منذ زمن طويل، اسمٌ لم يخطر ببالي يومًا أن يكون له علاقة بما حدث. شعرت ببرودة تسري في أطرافي، وكأن المطر أصبح جزءًا من جسدي. كان الاسم يضرب رأسي مثل مطرقة، يفتح أبواب أسئلة لم أتمنى يومًا فتحها. لماذا نطقت به؟ ولماذا كان أول وآخر ما أرادت أن تُخبر به هذا الغريب؟
اقترب الشاب خطوة نحو القبر، ثم وضع يده عليه كما لو كان يطلب الصفح من روحها. قال إنه حاول طيلة السنوات الماضية أن ينسى، لكنه لم يستطع النوم أبدًا دون أن يسمع تلك الكلمات تتردد في أذنيه. قال إنه حاول الوصول إليّ أكثر من مرة، لكنه كان يخاف هذا اللقاء، يخاف ردة فعلي، يخاف أن تكرهه… أو أن تنهار حياتي بسبب الحقيقة التي يحملها. كان صوته يتكسر وهو يتحدث، وكأنه يعاني أكثر مما توقّعت. شعرت بأن داخلي ينقسم نصفين: نصف يريد أن يسكته، ونصف يريد أن يعرف كل شيء مهما كان الألم الذي ينتظرني في النهاية.
في الصفحة القادمة… الحقيقة الكاملة لما قالته زوجتي قبل موتها. يظهر الشخص الذي تغيّر كل شيء لأجله…

تعليقات