كان يفصلني يومٌ واحد فقط عن الزواج بزوجتي الجديدة

كان يفصلني يومٌ واحد فقط عن الزواج بزوجتي الجديدة

تجمّدت للحظة، ويدي معلّقة فوق القبر، بينما المطر يزداد خفة وانسيابًا فوق كتفي. لم أكن معتادًا على وجود أحد في هذا المكان عند المساء، خصوصًا في أيام المطر التي تُبعد كل الزوار. التفت ببطء، والهواء محمّل برائحة التراب المبلل، لأرى شابًا في منتصف العشرينات يقف على مسافة خطوتين فقط. كان يرتجف قليلًا، ليس من البرد ربما، بل من شيء أثقل. عيناه كانتا موجهتين نحو شاهدة القبر… لا نحوي. وكأن حضوري كان مجرد عارض في عالمه الذي بدا مضطربًا على نحو واضح. لم أعرفه مطلقًا، لكن كان في نظراته شيء مربك… شيء يشبه الاعتراف.

اقترب الشاب خطوة واحدة، وتوقّف كما لو أن خطوته التالية تحتاج إذنًا. كان يتنفّس بسرعة، وملامحه مشدودة كمن يحمل سرًا ثقيلًا على صدره منذ زمن. سمعته يهمس باسمي، باسمي الشخصي… بالصوت ذاته الذي ينطق به أهلي المقربون، لا زملاء العمل ولا الغرباء. ارتبكت، ولم أفهم كيف يعرفني. حدّقت فيه بصمت، أحاول أن أتذكّر وجهه، لكن ذاكرتي كانت صفحة فارغة. بدا واضحًا أنه يعرفني جيدًا… لكن السؤال الذي بدأ يطرق رأسي بقوة: لماذا يعرفني؟ ولماذا الآن بالذات؟ ولماذا عند قبر زوجتي الراحلة؟

رفع الشاب يديه ببطء وكأنّه يستسلم لشيء أكبر منه، وقال كلامًا لم أفهمه في البداية. قال إنه جاء ليعتذر. اعتذر بصوت منخفض يختلط مع صوت المطر، حتى خُيّل لي أنه مجرد صدى من رأسي. اعتذر عن ألم… عن ذنب… عن شيء لم يجرؤ على تسميته. ازدادت حيرتي، وشعرت بقلبي يدق بعنف غير مألوف. لم يكن في صوته أي تهديد، بل كان مليئًا بالخوف، الخوف الحقيقي. كان ينظر إلى شاهدة القبر كمن يعترف أمام قاضٍ لا يرحم، لكنّه لم يرفع نظره نحوي إلا عندما ارتجف صوته فجأة، وكأن الكلمات التي يحملها ستدمر كل شيء.

وقبل أن أسأله عمّن يكون أو عمّا يعنيه، رفع رأسه وقال الجملة التي مزّقت الهواء بيننا وبدّلت المطر إلى صواعق تدوي في صدري. قال إن حادث زوجتي… لم يكن كما ظننت. قالها بصوت مبحوح، وكأن كل حرف منه يجرح حلقه. لم أفهم تمامًا ما يعنيه، لكن شيئًا في نبرة صوته أيقظ خوفًا دفينًا كنت أظنني قد دفنته منذ أربع سنوات. شعرت وكأن الأرض انخفضت قليلًا تحت قدمي، وعلى الرغم من أنني لم أفهم كل شيء بعد، فإن قلبي أدرك أن الحقيقة التي سيقولها… لن تكون بسيطة أبدًا.

في الصفحة القادمة… ينكشف أول سر يربط هذا الشاب بحادث زوجتي. يتغير كل ما كنت أؤمن به عن ذلك اليوم…