قصة من نص ساعة بس كنت راجعة من على أول البلد
جلست في مكاني وسط الزراعة، جسدي يرتجف ويديّ عاجزتان عن الحركة، وكل فكرة في رأسي تتصادم بالأخرى دون اتجاه أو نهاية. احتجت وقتًا طويلًا قبل أن أخرج هاتفي بيد مرتعشة وأتصل بأبي، فلم أكن أستطيع جمع الكلمات ولا وصف ما حدث. حاولت أن أحدد له مكاني وسط الدموع والارتجاف، وكل ما استطعت قوله كان كلمات مبعثرة لكنها حملت معنى واحدًا. عندما وصل أبي ورآني على الأرض لم يتحمل الصدمة وانهار أمامي، فقد كان المشهد أكبر من قدرة أي أب على الاحتمال.
غطاني بثيابه دون أن ينبس بكلمة واحدة، وعاد بي إلى المنزل بخطوات ثقيلة وصمت يشبه الموت. عندما رأتني أمي أطلقت صرخة كسرت جدار الليل كله، لكن أبي وضع يده على كتفها وأشار لها بالصمت، وربما كان يحاول استيعاب الكارثة قبل أن ينهار هو الآخر. قضيت ثلاثة أيام محبوسة داخل غرفتي لا أخرج ولا أتناول الطعام، غير قادرة على مواجهة وجوههم أو مواجهة نفسي، فكل شيء بدا وكأنه فقد معناه. وفي داخلي كان الألم يزداد عمقًا مع كل دقيقة تمر ولا أجد فيها مخرجًا.
لكن المصيبة لم تنتهِ عند هذا الحد، إذ وصل إلى هاتف أبي فيديو يُظهر كل ما تعرضت له بوضوح، وحين رأيته يسقط الهاتف من يده أدركت أن الجرح لن يندمل بسهولة. الرجل الذي أرسل الفيديو هدّد أبي بأن يغادر البلدة مع أسرته وإلا سيندم على كل يوم عاشه فيها. عرفت حينها أن ما حدث لم يكن صدفة بل كان انتقامًا مؤلمًا بسبب خلاف قديم على قطعة أرض، وأنه أراد إذلال أبي بطريقة لا تنسى. لم نكن نملك خيارًا آخر، فوجودنا في البلدة لم يعد آمنًا بعد أن أصبحنا وحدنا في مواجهة رجل بلا رحمة.
قرر أبي بيع البيت وجمع كل ما نملك في ساعات قليلة، وتركنا البلدة التي عشنا فيها سنوات طويلة دون أن ننتمي إليها. عدنا إلى بلدة أبي القديمة، تلك البلدة التي تركها منذ سنوات طويلة لأسباب لم يخبرنا بها يومًا، وهناك وقفنا أمام بيت جدي الكبير الذي كان من المفترض أن يكون لنا منذ زمن. كنا ندخل إليه وكأننا عائدون من ساحة حرب، منهزمين ومكسورين ومحملين بوجع لا يمكن وصفه. ومنذ ذلك اليوم أصبحت غرفتي سجنًا صغيرًا أتوارى فيه عن العالم، وأصبح سطح البيت ملاذي الوحيد.
وفي الصفحة الثالثة… تظهر الفتاة الغامضة التي ستغير مجرى الأحداث تمامًا…ينكشف السر المخيف خلف المقابر والبنت التي لا تنتمي للعالم الحي…

تعليقات