قصة من نص ساعة بس كنت راجعة من على أول البلد
كانت ليالي الأسابيع التالية تتشابه في ظلامها، فأصعد إلى السطح بعد منتصف الليل لأهرب من ثقل البيت وصمت أمي وأبي الذي يطعنني كل لحظة. كنت أراقب البلدة من الأعلى، بيوت ساكنة كأنها فارغة من الأرواح، وسماء ثقيلة لا تحمل نجمة واحدة. ومع كل ليلة كانت فكرة واحدة تطاردني بإصرار مرعب، فكرة أن أنهي حياتي وأُنهي معها الألم الذي لا يغادرني. توقفت كثيرًا أمام سور السطح أراقب الفراغ تحتي وأتساءل إن كان السقوط سيمنحني سلامًا لا أملكه الآن.
وفي الليلة الثالثة، بينما كنت أقف على السور، لاحظت شيئًا يتحرك في الأسفل، شكل فتاة صغيرة تقف وسط الظلام وتنظر إلي مباشرة. شعرت بقشعريرة تسري في ظهري فورًا، فقد كانت الحركة خاطفة لكنها واضحة بما يكفي لأن أتراجع للخلف بخوف. رفعت يدها وأشارت إلي بإشارة ناعمة لكنها حاسمة، وكأنها تقول لي ألا أفعل. شعرت بدافع غريب يدفعني للنزول، كأنني أعرفها منذ زمن، أو كأنني أحتاج إليها دون أن أفكر. وعندما وصلت إلى آخر سور البيت وجدتها تنتظرني في صمت تام.
مشيت خلفها وسط الأراضي الزراعية دون أن أسأل أو أتردد، كانت خطواتي تتبعها كما لو كنت مخدّرة أو مسلوبة الإرادة. توقفت عند نخلة صغيرة وجلست على جذعها وهي تبكي، ثم رفعت رأسها وأشارت لي ألا أقترب أكثر. بصوت خافت طلبت مني أن أحكي لها كل شيء، وكأنها تعرف أنني بحاجة إلى أن أتكلم. حكيت لها كل تفاصيل ما حدث، وكل كلمة خرجت مني شعرت بأنها تسحب جزءًا من الألم. وبعد أن انتهيت، نظرت إلي بعينين غريبتين وقالت بهدوء لا يشبه الأطفال: كلنا حصل معانا كدا، تعالي معايا أوريكي.
تبعتها مرة أخرى حتى وصلنا إلى المقابر، حيث أشارت إلى قبر بعيد. وبينما كنت أراقب من خلف الحجارة، رأيت اثنين من الشباب يبحثون عن فريسة في الظلام ثم يهجمون على فتاة تشبهها تمامًا. كانت تستغيث وتصرخ، والمشهد يعيد نفسه كأنه شريط يتكرر أمامي دون توقف. اختفى المشهد فجأة كما ظهر، وعندما التفتُّ وجدت الفتاة تشير لي من جديد لنكمل السير. مشينا حتى وصلنا إلى بيت قديم، وهناك… في تلك اللحظة… رأيت شيئًا جعل الدم يتجمد في عروقي، شيئًا لم أتوقع أن أراه أبدًا.

تعليقات