قصة تخلّت عنّي أمّي في المطار وأنا في الثامنة من عمري

قصة تخلّت عنّي أمّي في المطار وأنا في الثامنة من عمري

في يومٍ بارد من شتاء عيديّتي السادس عشر، عاد الماضي ببابٍ يُفتح دون سابق إنذار. كانت الساعة تقترب من الثامنة مساءً عندما سمعت صوتًا في مدخل المنزل، وصوت خطوات مترددة. خرجت لأجدها واقفة مثل ظلّ قديم، ترتجف دون أن أعرف هل هو من البرد أو من الخوف. كانت تحمل حقيبة فاخرة وثوبًا باهظ الثمن، لكن ملامحها لم تعد ملامح المرأة التي تركتني في مطار بارد وأنا أتوسّل ألا أُنسى. كانت أكبر عمرًا… وأكثر هشاشة مما أتذكر.

رفعت عينيّ نحو والدي الذي وقف وراءها، وملامحه جامدة كصخرة. كانت الأوراق القانونية جاهزة منذ أشهر، وثبوت إهمالها كان واضحًا وصريحًا، حرمني منها قانونيًا كما حرمتني عاطفيًا من قبل. وقفت أمي أمامي تبحث في وجهي عن الطفلة التي تركتها، لكن تلك الطفلة لم تعد موجودة، ذابت مع أول ليلة قضيتها في الخوف وحدي. نظرت إليّ نظرة مرتبكة، وكأنها تحاول استعادة علاقة لم تبنها يومًا.

قالت بصوت منخفض مهزوز: “ليا… وحشتيني.” تلك الكلمة سقطت ثقيلة على الأرض بيننا، دون أن تلمس قلبي أو تتحرك نحوي. بقيت واقفة أنظر إليها بصمت طويل، طويل بما يكفي لتفهم كل شيء دون أن أقول شيئًا. كانت تنتظر دمعة، أو صرخة، أو حضنًا، لكنها لم تجد سوى وجه هادئ لا يشبه طفلة الثامنة التي تركتها تبكي بجانب بوابة مغادرة. كان الصمت انتقامي الوحيد… وأقسى ردّ فعل قد تتلقاه.

اقتربت خطوة وقالت: “أنا آسفة… كنت متهورة… و…” لكنها توقفت حين رفعت يديّ بصمت، مشيرة لها بالتوقف. لم أرد أن أسمع تبريرات، لم أرد شفقة، ولم أرد أمًا تتذكرني فقط حين تهدم حياتها الخاصة. قلت لها أخيرًا بصوت ثابت ليس فيه أي ارتعاش: “أنتِ لم تخسريني الآن… أنتِ خسرتِني منذ سنوات. يوم تركتِ طفلة تحمل حقيبة أرجوانية وتبكي وحدها. اليوم… لم يعد هناك شيء لتصلحيه.”


في الصفحة الأخيرة… الصدمة الحاسمة التي لم تتوقعها أمي، والكلمات التي أنهت كل شيء…
واللحظة التي اخترت فيها مستقبلي على الماضي.