قصة تخلّت عنّي أمّي في المطار وأنا في الثامنة من عمري
لم تتوقع أمي أن تخرج من منزلي، لا بوصفها أمًا، ولا حتى كزائرة مرحّب بها. جلس والدي بجانبها على الطاولة، ووضع أمامها الحقيبة التي تركها بعناد منذ سنوات، لكنها لم تكن حقيبتي القديمة… بل كانت ملفات المحكمة، وتقارير منظمات حماية الطفل، وصورًا من الكاميرات يوم abandonment. كانت جميع الأدلة جاهزة، موثقة، وقد وُضعت أمامها بلا رحمة. نظرت إليها وعرفت أن هذه ليست مجرد مواجهة عاطفية… بل مواجهة مع الحقيقة التي تهرب منها منذ عمر.
أمسكتُ القلم بيدي وقدّم لي والدي الورقة التي انتظرت طويلاً: وثيقة إسقاط الولاية تمامًا، ومنعي منها قانونيًا بشكل نهائي. لم يكن توقيعي انتقامًا… بل حماية لنفسي، لنسخة الطفلة التي أحببتها وتألمت من أجلها، ولم أرد لها أن تتعرض للأذى مرة أخرى. وقّعت بيد ثابتة، بينما كانت أمي تبكي بهدوء، الدموع التي كنت أتمنى يومًا أن تسقط من أجل طفلة صغيرة تُركت في مطار ضخم بلا يد تمسك بها. لكنها جاءت متأخرة جدًا… ومتأخرة دائمًا.
حين انتهيت، رفعت رأسي ونظرت إليها طويلاً، ثم قلت آخر كلمات قلتها لها في حياتي: “أمي… كنتِ بوابتي إلى العالم، لكنكِ تركتيني خارجه. الآن… أغلقت الباب بيدي، ولن أفتحه مرة أخرى. ليس كرهًا، بل احترامًا لنفسي.” رفعت حاجبيها بصدمة، وكأنها لم تتوقع أن أكبر خارج ظلها، لكنها لم تعرف يومًا أنني ازدهرت بعيدًا عنها، وأنني وجدت عائلة في رجل لم يتركني أبداً، رغم كل المسافات الماضية.
وقفت من مكاني، واختفيت داخل غرفتي، تاركةً خلفي صوت بكائها العميق، وصمت والدي الثقيل، وورقة واحدة أصبحت سلاحًا وحماية في آن واحد. لم أبكِ بعدها… ولم ألتفت. فهمت يومها أن العائلة ليست دمًا، بل حضورًا، وأن الجراح التي تأتي من الأقرب تؤلم… لكنها أيضًا تُعلّم. تعلمت أن أتجاوز، أن أبني حياتي، وأن أكون المرأة التي لم تستطع أمي يومًا أن تكونها. ومن تلك اللحظة… بدأت حياتي الحقيقية.

تعليقات