قصة رحت اكشف علي بنتي كانت تعبانة وركنت العربية تحت عيادة الدكتور
مرت خمس دقائق كانت أطول من ساعة، وبعدها سمعت خطوات سريعة تنزل الدرج. كان الطفل يركض باتجاهي ووجهه ممتلئ ذعرًا لم أره من قبل. كان يحمل الأكياس لكن ليس بنفس الطريقة؛ كان ممسكًا بها بقوة وكأنه يحاول حمايتها من أحد. حين وصل إليّ، وقف يلتقط أنفاسه، ثم قال بصوت مكسور: “ممكن تيجي بس دقيقة… أرجوك؟” كانت عيناه توسّلان بلا كبرياء ولا خجل، فقط خوف صادق وصارخ.
صعدت معه الدرج، وكل خطوة كنت أشعر بثقل الخوف يزداد داخل صدري. فتح الباب، ودخلت إلى غرفة صغيرة جدًا، ضوءها خافت، ورائحتها توحي أن الحياة فيها قاسية. وهناك… رأيت أخته الرضيعة ملفوفة بقطعة قماش قديمة، تبكي بصوت ضعيف كأنها تعبت من البكاء. وعلى الأرض كانت أمهم مستلقية بلا حركة، شاحبة الوجه، وكأنها في صراع مع المرض منذ أيام دون أن يلاحظ أحد.
اقترب الطفل منها وهو يجلس بجانبها ويهز كتفها برفق قائلاً: “ماما… جبت أكل… قومي.” لكن الأم لم تستجب، وكان واضحًا أنها فاقدة للوعي منذ وقت طويل. لحظتها فهمت لماذا طلب الطفل جبنة وعيش فقط، ولماذا لم يطلب شيئًا لنفسه. فهمت لماذا ركض، ولماذا ارتجف، ولماذا قال: “مش عايز فلوس… عايز أكل.” كل ما كان يريده… أن تنجو عائلته الصغيرة.
نادتني الطفلة ببكائها وأنا أرى الطفل يمسح دموعه بيده الصغيرة، ويقول: “أنا اللي بجيب لهم… أنا الكبير.” كانت الكلمات كالسكاكين في قلبي؛ طفل بهذا العمر يتحمل دور رجل في بيت مهدم من الفقر والمرض. لم أعد أرى أمامي طفلًا فقيرًا… بل بطلًا صغيرًا يقاتل وحده حربًا أكبر منه بألف مرة.

تعليقات