قصة الرجل الذي ربّاني لم يكن والدي البيولوجي
من يوم ما دخلت قاعة المحكمة وأنا شايل على كتافي عمر كامل من الديون المعنوية، الديون اللي ليها اسم واحد: ميغيل. وقفت قدّام القضاة بثبات، رغم إن داخلي كان يرتجف من الخوف إنّي أفشل في حماية الراجل اللي أنقذ حياتي. كل كلمة كنت بقولها كانت طالعة من حنجرة مش بس محامي… لكن ابن، ابن فاهم يعني إيه حد يشيلك من القاع ويقولك: “أنت تستحق فرصة”. كنت شايفهم قدّامي—ناس ببدل شيك ونظرات متعالية—ولا واحد فيهم يعرف إن الورشة اللي عايزين يهدموها هي المكان الوحيد اللي حسّيت فيه بالأمان.
رجعت بعقلي لليلة اللي سبقت الجلسة، لما لقيت ميغيل قاعد على كرسيه الخشبي المعتاد، ماسك فنجان القهوة بإيديه اللي الندوب ماليّاها. قربت منه وسألته: “بتنام؟” هزّ راسه لأ، وقال بصوت خفيف ما سمعتهش منه غير مرة: “مش خايف على الورشة… خايف عليك إنت.” الجملة دي دخلت قلبي زي سهم. الراجل اللي المفروض أخاف عليه، بيخاف عليّ أنا. اللي أكبر منّي بثلاثين سنة، شايف إن حياتي أهم من حلمه. اللحظة دي فهمت إني مش داخل المحكمة أحارب عن محل… أنا داخل أحارب عن أب.
كنت واقف في نص القاعة، صوتي ثابت، لكن قلبي مليان نار. قدّمت أدلّة، قوانين، شهادات من السكان اللي عاشوا عمرهم جنب الورشة وما شافوا منها إلا خير. وكل ما كنت أتكلم، كنت شايف وجه ميغيل قدامي، اللحظة اللي لقى فيها طفل في الزبالة وقال له “ادخل”. اللحظة اللي قرّرت إنه مش هيهرب من المسؤولية. اللحظة اللي غيّرتني من مراهق ضايع لراجل واقف يدافع عنه بالدلائل والحق والقانون.
لكن أكثر لحظة أثرت في القاعة كلها كانت لما حكيت—لأول مرة قدّام الناس—إن أنا مش ابنه البيولوجي. إن أنا مجرد ولد لقيته الحياة في الشارع، ولقاه ميغيل في نص عتمة. حكيت عن اللي عمله، عن أكله لي، عن سريره اللي “نسي” يقفله، وعن كل شخص من جماعة الدراجيين اللي ساعدوني من غير ما يسألوا عن تاريخي. وبمجرد ما خلصت كلامي، القاعة كلها سكتت… سكتة ما بتتكرر، سكتة إكبار واحترام.
… وفي الصفحة الثانية تبدأ المفاجآت اللي ما توقعتش إنها تحصل جوّا المحكمة…
شدّي حالك، الجاي أقوى…

تعليقات