قصة الرجل الذي ربّاني لم يكن والدي البيولوجي
بعد خطابي بدقايق، حسّيت إن المحكمة اتقلبت. رئيس المجلس البلدي اللي كان داخل متحفّز ومستعد يحاربنا لآخر نفس، بقى شكله متوتر، وبدأ يقلب في أوراقه بطريقة غريبة. محاميهم حاول يستعيد الموقف، وقف وقال كلام سياسي مكرّر عن “النظام” و“النظافة” و“تطوير الحي”، بس ولا كلمة كان لها وزن بعد اللي قلته. الناس اللي جايين يحضروا بقى عندهم فضول حقيقي يعرفوا مين ميغيل… ومين الولد اللي حارب عشانه. حسّيت إن الجو بيميل ناحيتي، كإن كل ضربة تلقيتها وأنا صغير بقت نقطة قوة في اللحظة دي.
وفجأة، قامت واحدة من الجارات الأكبر سنًا—كنت فاكر إنها جاية تحضر من باب الفضول، بس طلع إن عندها حاجة مهمة تقولها. قالت للقاضي بصوت ثابت: “أنا عايشة في الحي من ٤٠ سنة. لو شُلِتوا الورشة… بتشلّوا الراجل اللي كان بيصلّح عربيات الأرامل ببلاش.” الكلام خرّق القاعة زي الضوء. ورجل تاني وقف وقال: “ميغيل عمره ما زعّل حد. لكن اللي بيزعّلنا… إنكم عايزين تهدّوا المكان الوحيد اللي حافظ على روح الحي.” الأصوات بدأت تتعالى، مش صراخ… لكن دعم. دعم حقيقي.
نظرت لميغيل، لقيته أول مرة من سنين بيحاول يمسح دمعة من طرف عينه. ميغيل… الراجل اللي مابيبكيش. الراجل اللي الحرب ما كسرتوش، والشارع ما هدّوش، والسنين ما غيرته. اللحظة دي كسرتني من جوّا وصنعتني من برّا. حسّيت إن كل ثانية اشتغلت فيها محامي كان هدفها اليوم ده… الدقيقة دي… الوقفة دي. كل قانون حفظته، كل مادة درستها، كل قضية كسبتها… كانت خطوة تقرّبني من إنقاذ الورشة.
لكن رغم كل ده، ما كنتش مستعد للمفاجأة اللي حصلت بعدها. القاضي طلب استراحة قصيرة، وقال جملة محدش فهمها غير بعدين: “أحتاج لمراجعة وثيقة قُدِّمت منذ دقائق دون علم المحكمة.” ساعتها قلبي وقع. وثيقة إيه؟ مين اللي قدمها؟ هل ضدنا؟ هل في حد لسه مصر يهدّ الورشة؟ رجعت مكاني وأنا قلبي بيلطّم في صدري بشكل مرعب.
رجع القاضي بعد عشر دقايق، ماسك الملف، وش شكله اتغير. نظر لميغيل… وبعدين ليا… وبعدين قال:
“عندي معلومات… محتاجة توضيح.”
… والصدمة الحقيقية، اللي هتغيّر كل شيء، هتظهر في الصفحة الثالثة…
استعد للحقيقة اللي ما توقعهاش حتى هو…

تعليقات