قصة جالي اتصال وأنا في الشغل إن ابني
بعد خروج أحمد، قعدت في الصالة لوحدي والبيت كله كان ساكن بطريقة تخوف. حسيت إن الجدران بترجع تردد كلام أحمد، وكأن صدى صوته عالق في كل زاوية. مراتي كانت في المطبخ، وكنت سامع صوت تنفسها الثقيل من الخوف، لكني ماقدرتش أروح وأحضنها أو أطمنها، كأن فيه حاجز بيني وبين كل حد في البيت. قررت أقوم وأفتح التلفزيون عشان أشتت دماغي، لكنه اشتغل من غير صوت رغم إن الريموت كان في إيدي. قلبت القنوات كلها والصوت رافض يرجع، لحد ما وقفت عند قناة أطفال، ووقتها ظهر صوت من التلفزيون فجأة… بس مكانش صوت القناة. كان صوت حد صغير بيضحك… نفس ضحكة ياسر لما كان عنده سنتين.
وقفت متجمد مكاني وأنا سامع الضحكة تتكرر وتعلى كأن الولد واقف جنبي. ناديت على مراتي بصوت عالي، لكنها ما ردتش يمكن من الخضة، ورجعت الضحكة تتحول لنجوى خفيفة مش فاهم منها غير كلمة واحدة: “بابــــا…” ساعتها التلفزيون كله فصل ورجع اشتغل لوحده على القناة الأولى. حسيت إن قلبي هيخرج من صدري، وكنت عايز أهرب من البيت، لكن رجلي كانت تقيلة كأنها مربوطة في الأرض. روحت ناحية أوضة ياسر بسرعة وأنا بقول لازم أفهم، لازم أشوف الولد ده بيعمل إيه. ولما فتحت الباب لقيته واقف على السرير، مش نايم زي ما كنت شايفه قبل دقائق.
وقفت في نص الأوضة وبصيت عليه، وكنت حاسس إن في حاجة غلط في ملامحه، كأن عينه مش هي عينه. قال بصوت واطي بس ثابت: “أنا قلتلك ما تخافش… مش لوحدي.” سألته “مع مين؟ مين معاك؟” لكنه ما جاوبش، بس رفع صباعه وشاور على الركن المظلم في الأوضة. ما كنتش قادر أبص، لكن لقيت نفسي غصب عني بدور وشي ناحيته. الشارع من برة كان مظلم، والركن ده كان أغمق من الطبيعي. حسيت إن فيه عينين بتبص عليّ من جوه الضلمة، عينين باردة وكأنها مش بشرية. رجعت خطوتين لورا وياسر نزل من السرير واقترب مني، وأول مرة أحس إن ابني اللي شلته على كتافي زمان بقى أقرب لكائن غريب منه لطفل.
ناديت على مراتي تصوتي طلع مكسور، ولما دخلت الأوضة شافت المنظر وصرخت صرخة خلت ياسر يغطي ودانه. قربت مني واتمسكت في ايدي وهي مرعوشة، وقالت: “الولد مش طبيعي… إحنا لازم نخرجه من البيت فورًا.” لكني هزيت راسي وقلت: “مش هنمشي… في حاجة لازم أعرفها.” قربت خطوة ناحيته وكنت مستعد لأول مرة من شهور إني أسمع ابني بدل ما أضربه أو أسكته. قلتله: “عايزك تقولّي الحقيقة… إنت بتتكلم مع مين كل ليلة؟” بس سكت وبدأ يبكي، بكى حقيقي، بكى طفل… وقال جملة خلت ظهري يقشّعر: “هي… هي بتقولي ما أزعلكش… هي بتخوفني منك.” ساعتها حسيت إن الماضي رجع ينتقم مني.
الصفحة الثالثة… وهنا الصدمة اللي بتغير كل حاجة…

تعليقات