قصة جالي اتصال وأنا في الشغل إن ابني
فضل ياسر يبكي وهو ماسك بطرف التيشيرت بتاعي كأنه طفل صغير خايف يتسحب. قربت منه لأول مرة من شهور وحسيت إن خوفه حقيقي، مش تمثيل ولا دلع زي ما كنت مقتنع. مراتي كانت واقفة وراه تمسح دموعه وتحاول تهديه، لكن الولد كان بيرتعش بطريقة تخوف. سألته تاني مين “هي”، لكنه ما كانش قادر ينطق الاسم، بس قال إنها بتيجي كل يوم وتقعد على السرير وتتكلم معاه، وإنها كانت بتقوله إن ابوك مش بيحبك، وإنك لو محبتوش هو كمان مش هيحبك. الكلمة جرحتني أكتر مما توقعت، لأن الحقيقة إن سلوكي فعلاً كان بيقول إني مش بحبه، رغم إني عمري ما اعترفت بده حتى لنفسي. حسيت بالذنب يطعنني لأول مرة.
سألته: “بتشوفها امتى؟” قال: “لما بتزعق… لما تضربني… لما أقول إني تعبان وماتصدقنيش… تيجي وتقول لي ما تخافش، هي موجودة.” نظرت لمراتي لقيت الدموع نازلة من عينيها، ويمكن لأول مرة حسّيتها أم لياسر مش مجرد زوجة. خدت نفس عميق وشعرت إن كل حاجة غلط عملتها معاه رجعتلي مرة واحدة، كل صفعة، كل زعيق، كل تجاهل لوجعه… كله رجع ينتقم مني. قربت منه وقولتله: “هي مش موجودة… دي مجرد وهم.” لكن قبل ما أكمل الجملة، سمعنا صوت “طرقة” قوية جدًا جت من الركن المظلم. الصوت كان واقعي لدرجة إن مراتي صرخت ووقعت على الأرض. ولما بصّيت للركن، شفت حاجة عمرها ما هتتنسى.
الشباك اللي في الركن اتفتح فجأة رغم إن الجو برا ساكن، وستارة خفيفة اتحركت كأن حد واقف وراها. كنت متجمد مش قادر أزق نفسي خطوة واحدة، وياسر جري وحضنني بكل قوته وبكى وهو بيقول: “هي زعلانة… بتقول إنك مكروه.” الجملة دي نزلت عليا زي حجر. مراتي حاولت تشيل ياسر وتخرج لكن الباب اترزع لوحده واتقفل، وكأن حد قفله من برا. تجمدنا كلنا، والستارة كانت بتتحرك كأن حد بيمشي وراها رايح جاي. حسيت إن في نفس بارد بيلمس رقبتي، وفضلت أقول لنفسي إنها أوهام، لكن اللي حصل بعد كده قتل أي شك.
الستارة وقعت على الأرض فجأة، وبان الحائط، وعليه ورقة صغيرة كأنها مربوطة بمسامير. قربت مراتي بخوف وفتحتها وهي بترتعش، ولما قرأت المكتوب فيها صرخت صرخة قطعت صوت البيت كله:
“خدوه منّي… وجعني زي ما وجعني أبوه.”
الخط كان خط ست كانت بتكتبلي زمان، الخط اللي كنت فاكر إني نسيت شكله… خط أمه.
وقتها فهمت ليه أحمد خرج وهو وشه مصفّر، فهمت إن الولد مش بيدلع، وإن كل حاجة حصلت كانت رد فعل على جحود مني وظلم أنا زرعته بإيديا. قربت من ياسر وحضنته يمكن لأول مرة من شهور، وكنت حاسس إن روحه بتترعش في حضني، وإنه عايز أمان مش ضرب. ووقتها، من غير ما نتكلم، عرفنا إحنا التلاتة إن اللي بيحصل مش مجرد مس… ده ماضي بيرجع ينتقم، وبيت بيصرخ من التقصير، وطفل مش لاقي حضن يحميه. وبينما كنا واقفين، سمعنا خطوات جاية من السطح… خطوات حد نازل، حد كنا فاكرينه ميت من سنين.

تعليقات