قصة كنت سهران الليلة ومطبق في المستشفى
كان البرد في أوضة المشرحة قاسي لدرجة تخترق العظم، ومع كل نفس كنت حاسس إني بدخل هواء موت جوّا صدري. فضلت واقف قدّام جثتها، وهي ممددة بنفس الملامح اللي كانت بتضحك لي بيها قدّام النار من لحظات بس. ملامحها كانت هادية، كأنها نامت أخيرًا بعد حياة كلها خوف وجري. قربت بإيدي المرتعشة ألمس طرف البطانية اللي متغطية بيها، وقلبي كان بينهار ببطء، مش قادر أفهم إزاي كنت بكلمها من نص ساعة وهي دلوقتي نايمة قدّامي… ميتة. وكل ما أفتكر كلامها، ضحكتها، رجفتها من البرد، وعيونها اللي كانت شايفة فيّا أمان، كل حاجة كانت بتخبط في روحي زي مطرقة.
قربت أكتر لحد ما بقيت شايف الجرح اللي في رأسها، نفس المكان تقريبًا اللي قالت إنها ضربته فيه بالكوباية. دماغي وقف، قلبي اتقفل، وكل حاجة جوّا راسي صرخت في لحظة واحدة. حاولت أقول لنفسي إن دي صدفة، إن البنت اللي شفتها برا مش هي، لكن الواقع كان بيعضّ في قلبي. فضلت أبص في وشها وهي ممددة، لحد ما حسّيت إن الدموع نزلت من غير ما أحس، دموع سخنة على خدّي في نفس الوقت اللي صوابع إيدي كانت تلج من البرد. وقفت، مسكت السلسلة اللي أدتهالي قبل ما تختفي، وقربتها من صدرها… نفس السلسلة… نفس الرسمة… نفس كل حاجة كانت على رقبتها ساعة ما كانت بتقف جنبي.
ولوهلة، حسّيت إن المكان اتغير، كأن الهوى في الأوضة بقى أتقل، والبرد زاد فجأة وبدأ يلسع رقبتي. حسيت كأن في حد واقف ورايا، بس رجلي ماقدرتش تتحرك، ولا حتى قدرت ألف. سمعت صوت خفيف جدًا، صوت حد بيتنهد… نفس التنهد اللي كانت بتتنهد بيه لما حاولت تتكلم أول مرة. مسحت دموعي بسرعة ووقفت مستقيم، حاسس إن أي حركة غلط ممكن تفتح باب لشيء أكبر مني. قربت وشي من إذني وسمعت الهمسة بوضوح… همسة خارجة من مكان ما فيه ولا روح بشرية. الصوت كان بيقول: “كنت محتاجة حد يسمعني… بس ملحقتش.”
وقعت على الكرسي اللي جنب التلاجة الكبيرة، مش مستوعب ولا فاهم إذا كنت بهلوس من التعب ولا فعلاً سمعت صوتها. فضلت ماسك السلسلة بكل قوتي، وكأني ماسك حاجة تنقذني من اللي بيحصل. لما الدكتور رجع، مسحته دموعي قبل ما يشوف، وحاولت أمثل إن كل حاجة طبيعية، لكن ملامحي كانت فاضحة كل اللي جوايا. سألني لو كنت تعبان، لكني هزيت راسي وقلت إني كويس. الحقيقة إني كنت على وش انهيار، والحقيقة الأكبر إن اللي حصل جوّا المشرحة ماكانش آخر حاجة هتشوفها عيني الليلة دي.
تكملة الصفحة الثانية… وهنا تبدأ الليلة اللي ما تنامش بعدها…

تعليقات