قصة كنت سهران الليلة ومطبق في المستشفى
رجعت المشرحة تاني وأنا مرتعش، يمكن كنت بدور على دليل، يمكن كنت بدور عليها تاني، أو يمكن ببساطة كنت بدور على تفسير لأي حاجة. دخلت الأوضة اللي الجثة فيها، والمكان كان مرعب كأن البرد فيه جاي من عالم تاني. قربت منها، ورفعت الغطاء عن وشها، ولقيت علامات جديدة على جلدها، كأن حد لمسها بعد ما مشينا. الخط الداكن اللي في رقبتها كان أعمق من الأول، ولما قربت وشي، حسّيت إن البرودة اللي خارجة منها مش برودة موت… كانت برودة انتظار.
مسكت السلسلة، وقربتها من صدرها، وفجأة حسّيت إنها بتسخن في إيدي، سخونة مش طبيعية، سخونة كأن حد بيضغط عليها من جوّا. ولما قربتها أكتر، ظهر على رقبتها نفس شكل العلامة اللي على السلسلة. هنا فهمت… السلسلة مش مجرد ذكرى، دي كانت إشارة، علامة بتربطها بحياتها وموتها. شبهت ملامحها بملامح أختي الصغيرة تاني، وفجأة جتلي صدمة… تاريخ وفاتها اللي محفور على السلسلة هو نفس تاريخ اليوم اللي اتولدت فيه أختي، واليوم اللي ماتت فيه بعدها بساعات قليلة. كنت طفل وقتها، بس فاكر إن أمي دايمًا قالت إن ربنا عوّضها بيا بعد ما فقدت بنتها.
بدأت أحس إن الأوضة بقت أضيق، والهوى أتقل، لدرجة إن نفسي بقى صعب. رجعت خطوة وسمعت صوت خطوات ورايا، خطوات خفيفة لكن ثابتة. ولما لفيت، لقيتها واقفة عند الباب… هي… نفس البنت… شعرها واقع على وشها، ولبسها ممزق، لكنها واقفة كأنها مش ميتة. ماقدرتش أتكلم، ماقدرتش أتحرك. كل اللي قدرت أعمله إني أبص لعينيها، اللي كانت كلها وجع… وجع مش إنساني، وجع كأنها شايلة سنين من الصمت والظلم.
رفعت إيدها ناحية صدري، وبصوت مبحوح جداً، قالت كلمة واحدة:
“سمّـــعتـــنــي.”
وعرفت وقتها إن اللي حصل مش لعنة… ولا صدفة… ولا روح تايهة.
دي كانت بنت بتدور على حد يسمع وجعها… قبل ما تخرج من الدنيا ومن بعدها.
وإن الليلة دي… كانت آخر فرصة ليها.

تعليقات