رجل يتوفى ويترك أمانة غريبة عند محاميه
اجتمع الجميع مرة أخرى بعد أن انتهى قسم التدقيق من مراجعة السجلات بدقة غير مسبوقة. جلس الإخوة أمام المكتب ينتظرون بصمت ثقيل، والأبواب مغلقة بإحكام وكأن المؤسسة كلها تحبس أنفاسها معهم. دخل المدير وهو يحمل أوراقًا جديدة، ثم جلس ووضعها على الطاولة ببطء، مما زاد التوتر في الوجوه. قال لهم إن آخر تحديث للسجل كشف عن تحويلات استثمارية قديمة حققت أرباحًا ضخمة دون أن يلاحظها المحامي. هذه الأرباح تراكمت بصمت لسنوات طويلة بسبب نظام قديم لم يكن يُظهر العائد إلا عند مراجعة شاملة. نظرت العائلة لبعضها غير مصدّقة، فقد كانت تتوقع أي شيء إلا هذا الرقم.
أخبرهم المدير بأن المبلغ الأصلي الذي وضعه والدهم تضاعف مرات عديدة حتى أصبح ثروة حقيقية. ذكر لهم أن الحساب يحتوي الآن على مبلغ يفوق ما يمكن لعائلة متوسطة أن تحققوه خلال أجيال. لم يتمالك الإخوة أنفسهم، بعضهم بكى بصوت خافت، وبعضهم غطى وجهه بيديه، غير قادر على استيعاب حجم العطاء الذي تركه والدهم والمحامي معًا. كان المشهد أشبه بقصة وفاء تتجاوز حدود المال لتصل إلى معاني الإنسانية والصدق. كل تلك السنوات التي عاشوها دون ترف، كانت في الحقيقة محمية بثروة محفوظة باسمهم دون علمهم. شعروا بأن والدهم كان حاضرًا بينهم رغم رحيله منذ زمن.
فتحوا الظرف الأخير الذي تركه المحامي، فوجدوا رسالة قصيرة كتب فيها “حافظوا على ما بقي، فهو أمانة لبيوتكم وأولادكم… وادعوا لوالدكم كما كنت أدعو له”. كانت الكلمات بسيطة لكنها حملت ثقل الجبال في أعماقهم. تذكّروا سنوات تربيتهم الصعبة وكيف كان المحامي يصرّ على ألا يشعروا بأنهم بحاجة لأحد. فهموا الآن أنه لم يكن مجرد وكيل قانوني، بل أبًا ثانيًا عاش من أجل أن لا تتشرد العائلة أو تتشتت. جلست الأم تبكي بهدوء وهي تقرأ الرسالة مرة بعد مرة، وكأنها تلامس يد الرجلين اللذين حَملا الأسرة في غياب بعضهما.
خرجت العائلة من البنك وبيدها ملف يحمل كل الحقيقة، لكن بقلوب ممتلئة بدروس لا تُقدّر بثمن. سار الإخوة في الشارع وهم يشعرون بأنهم مدينون بامتنان مضاعف، لوالد خطط بحكمة، ولقانوني عاش بنزاهة، ولزمن كشف عن وفاء لا يتكرر. كان المال جزءًا من المفاجأة، لكنه لم يكن أهم ما اكتشفوه. فقد وجدوا أن الخير، حين يُزرع بإخلاص، يستمر حتى بعد رحيل أصحابه. امتلأت نفوسهم بالعزم على حماية الأمانة وتمرير القيم نفسها لأبنائهم، تمامًا كما أوصاهم المحامي. كانت النهاية بداية جديدة لعائلة تعلمت أن الثقة قد تغيّر حياة كاملة، حتى لو تأخرت الحقيقة سنوات طويلة.

تعليقات