قصة رأت كلير فتىً هزيلًا واقفًا عند بوابة القصر
في تلك اللحظة، سمع الثلاثة صوتًا خافتًا قادمًا من الخارج، صوت ارتطام خفيف كأن شيئًا أو شخصًا يخطو فوق الحصى. تجمّد آدم فورًا، جسده كله انكمش كأن صوتًا واحدًا كان كافيًا لإيقاظ كل خوفه القديم. اقترب من كلير بسرعة مفاجئة، وتمسك بطرف ثوبها، فيما انتصب ويليام واقفًا كالسهم، عينيه تحدّقان باتجاه الباب المؤدي إلى الحديقة الخلفية. خطوات بطيئة… ثابتة… تقترب. لم يكن صوت أحد من أهل القصر، ولم يكن صوت ريح. كان صوتًا يعرفه آدم جيدًا، وهذا وحده جعل وجه الطفل يتحول إلى رماد.
أمسك ويليام بسكين المطبخ دون أن يرمش، وتقدّم ببطء نحو الباب. حدقت كلير به غير مصدّقة؛ الرجل الذي بدا قبل دقيقة ممزقًا بين الندم والصدمة، أصبح الآن مستعدًا للقتال وكأن عدوًا قديمًا عاد من تحت التراب. وضع إصبعه على شفتيه يأمرها بالصمت، ثم فتح الباب قليلًا ليرى الخارج. لكن فجأة، قبل أن يتمكن من النظر، اندفع آدم إلى الخلف وسقط على الأرض وهو يصرخ صرخة واحدة قصيرة اختنقت في حنجرته. كان ذلك أول صوت يصدر عنه منذ دخوله القصر… صوت طفل رأى شبحًا يعرفه جيدًا.
ركضت كلير نحوه واحتضنته، بينما حاولت تهدئته وهي تشعر بارتجافه الحاد تحت ذراعيها. رفع آدم يده المرتعشة وأشار نحو الباب، لكنه لم يستطع الهرب من الذكرى التي انكشفت دفعة واحدة. قال بصوت مبحوح، كأن الكلمات تخرج من عمق جرح قديم: “هو… اللي عمل الجرح.” التفت ويليام في لحظة، ووجهه شاحب كأنه رأى الموت بعينيه. سأله بصوت خافت رغم توتره: “من؟ من اللي تبعك لحد هنا؟” لكن الطفل لم يجب. اكتفى بأن يدفن وجهه في كتف كلير، كأنه يخشى أن يجيب فيظهر الوحش أمامهم من العدم.
أغلق ويليام الباب بسرعة، ووضع ظهره عليه كأنّه يخشى سقوط جدار بينه وبين الخطر. اقترب منه وهو يلهث، ثم قال لكلير بصوت مرتجف لكنه يحمل قرارًا واضحًا: “لازم نخبّيه. اللي وراه… مش شخص عادي.” شعرت كلير بقشعريرة تسري في جسدها؛ كلمات ويليام لم تكن مجرد خوف أب، بل خوف رجل يعرف أن هناك من يستطيع اقتلاع طفل من بوابة قصر دون أن يترك أثرًا. وبينما احتضنت كلير آدم بقوة أكبر، سمعت هي وويليام الصوت ذاته يعود من خارج الباب… هذه المرة أقرب… أثقل… وكأن الخطر نفسه يلتقط أنفاسه قبل أن يدخل.

تعليقات