قصة زهق من المشاكل… وبعد 20 سنة زواج، قرر يبعد
عاد من عمله ذلك اليوم، قبل العشاء هذه المرة، كأنه مدفوع بشعور داخلي لا يعرف سببه. وجد البيت هادئًا على غير العادة، والأولاد جالسين بصمت، وعيونهم قلقة بطريقة لم يفهمها فورًا. سألهم عن أمهم، فأشاروا إلى غرفتها دون كلمة. دفع الباب بيده بخوف لم يعرفه من قبل، ورآها تجلس على الكرسي قرب النافذة، تنظر إلى الخارج بابتسامة هادئة، وكأنها تتأمل آخر شمس في حياتها.
قالت دون أن تلتفت: “كنت مستنياك.”
اقترب بخطوات بطيئة، وجلس أمامها. نظر إلى وجهها، فرأى عليها ملامح إرهاق لا يخطئه قلب. قال لها: “في إيه؟ قوليلي.”
تنفّست بعمق، ثم قالت بصوت منخفض لكنه واضح: “أنا مريضة.”
تجمد. لم يفهم الكلمة في البداية، وكأن عقله رفض استقبالها. لكنها تابعت: “عندي مرض من فترة… وكنت بستنىك تحس… تشوف… تسأل.”
هنا شعر بصدمة تضربه من الداخل. قالت: “الشهر اللي طلبته منك… كان علشان أودّعك من غير ما أجرحك. علشان تفتكر إنك شيلتني… مش إنك سبتني.”
انفجرت دمعة من عينه، لم يستطع إيقافها. لأول مرة ينكسر أمامها، لأول مرة يشعر أنه كان غائبًا عن حياته، عن بيته، عن قلبها. قالت له وهي تنظر في عينيه: “أنا ما طلبتش غير يوم واحد من كل يوم… يوم يبقى فيه وجودك حقيقي.”
حاول أن يتكلم لكنه لم يجد صوتًا. أمسك يدها، ووضع رأسه عليها، وهو يشعر أن الأرض تنهار من تحته.
وفي تلك الليلة، ظلّ بجانبها حتى الفجر، يحتضن يدها كأنه يحاول أن يمنع الزمن من أخذها. لكن الحقيقة كانت واضحة… فقد كان الشهر الذي طلبته ليس مكافأة، بل فرصة. فرصة أخيرة لتُذكّره بمن كانت، وبمن كان يجب أن يكون.

تعليقات