ثلاثة…
اثنان…
واحد…
انغلق الباب.
ذلك الصوت لم يكن عاليًا،
لكنه كان قاطعًا.
صوت قرار.
صوت نهاية مرحلة.
صوت حدٍّ وُضع أخيرًا بعد سنوات من التراجع خطوةً خطوة.
وقفت خلف الزجاج لحظة،
لا لأراقبهما،
بل لأتأكّد أنني لن أعود خطوة إلى الوراء.
ثم قلت بصوتٍ منخفض،
هادئ،
واضح:
«في المرّة القادمة التي تقلّل فيها من شأن أحد…
تأكّد أنه لا يملك المكان الذي تقف فيه».
لم يكن تهديدًا.
لم يكن استعراضًا.
كان حقيقةً بسيطة، جاءت متأخرة… لكنها جاءت في وقتها.
ثم استدرت.
خلعتُ حذائي.
لا لأنني تعبت،
بل لأنني أردت أن أشعر بالأرض تحت قدميّ كما هي،
باردة،
ثابتة،
حقيقية.
سرت حافية على الأرض.
كان البلاط صامتًا،
لكنّه لم يكن فارغًا.
جلست.
جلست في الصمت.
وللمرة الأولى،
لم يكن الصمت شيئًا أخشاه،
ولا مساحة أملؤها بالتبرير،
ولا فجوة أهرب منها بالكلام.
لم يكن صمت فراغ.
كان صمت امتلاء.
صمت امرأة أغلقت بابًا كانت تُبقيه مواربًا طويلًا،
ليس خوفًا،
بل أملًا في أن يفهم أحدٌ دون أن تُجبر على الشرح.
لا دموع.
لا صراخ.
لا ارتجاف في الجسد.
لم أشعر بنشوة انتصار،
لأنني لم أكن في معركة أصلًا.
ولم أشعر بحاجة لإثبات شيء،
لأن الحقيقة لم تعد بحاجة إلى صوتٍ عالٍ.
ما شعرتُ به كان أهدأ… وأقوى.
شعرتُ بالتحرّر.
تحرّر من دورٍ ارتديته حتى التصق بي.
من صورةٍ صُنعت لي لأنني صمتُّ أكثر مما يجب.
من فكرة أن الهدوء ضعف،
وأن الصبر قبول،
وأن الصمت يعني الرضا.
تحرّر من سنواتٍ كنت أشرح فيها نفسي لمن لا يستمع،
وأبرّر وجودي لمن لم يشكّ يومًا في حقّه… وشكّ دائمًا في حقي.
لأول مرة منذ سنوات طويلة،
لم أكن الزوجة الهادئة التي يُساء فهم هدوئها.
ولا المرأة المرهقة التي يُختصر وجودها في تعبها.
ولا الشخص الذي يُستخفّ به لأنه لا يرفع صوته.
كنت نفسي.
امرأة تعرف قيمتها دون أن تكتبها على الجدران.
تعرف متى تصمت لأن الصمت اختيار، لا عجز.
وتعرف متى تُغلق الباب…
لا غضبًا،
بل احترامًا لذاتها.
لم أعد أراجع المشهد في رأسي.
لم أعد أعيد الكلمات.
لم أعد أسأل نفسي:
“هل كان يمكن أن أتصرف بطريقة أخرى؟”
لأنني، وللمرة الأولى،
لم أترك المكان وأنا أشعر أنني فقدت شيئًا.
كنت أستعيد.
أستعيد اسمي الذي غاب خلف أدوار.
أستعيد صوتي الداخلي الذي همست له طويلًا بالصبر.
أستعيد نفسي… كاملة، دون شرح، دون اعتذار.
وهذا…
لم يكن انتقامًا.
لم يكن ردّ فعل.
ولم يكن لحظة غضب.
كان استعادة.
وكان أعنف انتصار على الإطلاق.
تعليقات